في سياق سعيهم إلى اكتشاف أصول ونشأة الكون، استرق علماء الفلك النظر إلى داخل أماكن نشوء النجوم في مجرة درب التبانة فوجدوا فيها مجموعات أو منظومات شمسية في طور النشوء، وقاموا أيضاً بإجراء مسح لمناطق تشكّل النجوم في المجرات الأخرى. ويبدو أن علماء الفلك الآن قد أضافوا أقدم مجرة في الكون إلى ألبوم العائلة الكونية الضخم.
وقد أعلن فريق من علماء الفلك البريطانيين والأميركيين والفرنسيين يوم الأحد 15 فبراير الجاري عن اكتشافهم ما يبدو أنه مجرة صغيرة تبعد عن الأرض مسافة 13 مليار سنة ضوئية (السنة الضوئية تساوي 5.88 تريليون ميل) - وهي أبعد مجرة يتم اكتشافها حتى الآن. ويبدو أن هذه المجرة كانت وما زالت تقوم بتشكيل الجيل الأول من النجوم العملاقة على نطاق ضخم وبسرعة هائلة.
ويقول الباحثون إن ذلك يوحي بأن هذه المجرة وغيرها من المجرات المكتشفة قد لعبت دوراً رئيسياً في إيقاظ الكون من عصوره المظلمة - وهي فترة كان فيها الكون الفتي الحديث العهد مليئاً بالهيدروجين البدائي الأولي دون أن تكون فيه أية نجوم. وحتى عندما قامت النجوم الجديدة بتشغيل أفرانها الاندماجية، انحجب الضوء ولم ينطلق بفعل الضباب الكثيف الذي تشكّل من الذرات محايدة الشحنة إلى أن نشأ من النجوم الجديدة والمجرات البدائية الأولية عدد كاف لتأيين الذرات والسماح للضوء بالعبور والإفلات من قبضة ذلك الستار الضبابي.
ويقول ريتشارد إيليس، أستاذ علم الفلك وعضو في فريق الباحثين لدى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech، إن المجرة الجديدة فريدة وغير عادية بالمقارنة مع المجرات الأكثر نضوجاً، بما فيها تلك التي تجري في داخلها عملية تشكل النجوم التي تتميز بالشدة الهائلة. ويقول إيليس إن المجرة على ما يبدو تكشف خصائص تنبأ أصحاب النظريات بأنها من خصائص الأجرام السماوية حديثة التكوين.
وتقول التقديرات إن المجرة الجديدة المكتشفة ذات قطر يبلغ 3900 سنة ضوئية، وهو حجم يتيح لها أن تأخذ بسهولة مكاناً ضمن مجرة درب التبانة التي يبلغ طول أذرعها الممتدة من القرص المركزي إلى الفضاء 120 ألف سنة ضوئية على وجه التقريب. وعلى رغم ذلك فإن المجرة الجديدة تقوم بتشكيل النجوم بسرعة أعلى بـ10 إلى 50 ضعفاً من سرعة تشكلها في مجرة درب التبانة، على حد قول "جان بول نيب" الباحث لدى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech والذي كان على رأس فريق العمل.
وتنضم المجرة الجديدة التي تم اكتشافها إلى قائمة صغيرة ومتنامية من الأجرام السماوية التي تم اكتشاف وجودها في أعماق الفضاء السحيقة على مسافات هائلة كهذه. غير أن معظم هذه الأجرام الأخرى كانت كوازارات (أشباه نجوم)، وهي أجرام وتكتلات بعيدة جداً ومشعة وشديدة الكثافة والطاقة وتشع من المجرات التي توجد في مراكزها ثقوب سوداء هائلة وناشطة. ولكل واحد من هذه الثقوب التي تؤثر في ميزان الكون كتلة هائلة فائقة الضخامة تجعل الثقب أضخم من الشمس ببضعة مليارات من المرات.
وقد اكتشف الباحثون والعلماء حتى الآن 13 كوازاراً يبدو أنها قد تشكلت عندما كان للكون 6% من عمره الحالي، وذلك على حد قول زياهوي فان، وهو عالم فلك يعمل في مرصد ستيورات التابع لجامعة أريزونا. وفي الصيف الماضي على سبيل المثال، اكتشف الباحثون كوازاراً بدأت الأشعة التي يطلقها بالسفر عبر الكون عندما كان عمر الكون 870 مليون سنة فقط.
غير أن الكوازارات، كما يقول الدكتور إيليس، تشكل طرفاً واحداً في عملية نشوء وتطوّر المجرات، وهي تبقى نادرة نسبياً. ويقول الباحثون إن المجرة الجديدة الصغيرة التي تم اكتشافها ربما تشكل أقدم مثال على وجود صنف من الأجرام السماوية الأكثر شيوعاً والتي ساعدت على إحداث انبعاث جديد للضوء في الكون كان أشبه بنهضة جديدة بعد فجوة الظلام الدامس الذي أغرق الكون إثر البداية النارية الهائلة التي حدثت في الانفجار الكوني الأكبر Big Bang، الذي يسود اعتقاد بأنه كان نقطة ولحظة بداية نشوء الكون.
وتؤدي مساعي دراسة وتحديد مواقع هذه الأجرام السماوية البعيدة جداً إلى توظيف أقصى إمكانيات وقدرات التكنولوجيات الحالية المتوفرة لدى الباحثين والعلماء. وقد أثبتت المجرة الجديدة أنها ليست مستثناة من ذلك، إذ استعان الباحثون والعلماء للكشف عن المجرة الجديدة ودراستها بقدر كبير من التفصيل بتلسكوب هابل الفضائي الذي يتمتع كما هو معلوم بأقصى درجات الوضوح الفائق ودقة وقوة الإظهار، كما استعانوا أيضاً بتلسكوبات كيك القوية المتمركزة على قمة جبل موانا كيا في جزيرة هاواي، والتي يبلغ قطر الواحد منها عشرة أمتار وتتمتع بقدرة فائقة على تجميع الضوء. غير أن استخدام هذه التلكسوبات لم يمنح العلماء القدرة على إنجاز ما أنجزوه لولا استعانتهم بالتصميم المعروف باسم Abell 2218، وهو تصميم وضعه العلماء وتصوّروا فيه أن عناقيد المجرات تعمل بحكم جاذبيتها المجتمعة كعدسات لتكبير صورة المجرة الفتية ورفع درجة وضوحها وتألق ضوئها إلى 25 ضعفاً.
وعلى رغم ذلك كان على تلسكوب هابل ال