... المحاولات المستميتة الرامية إلى تحويل الفضاء الإعلامي الفسيح , وخاصة فوق المنطقة العربية , إلى منشر ومكب للغسيل السياسي والفكري والإجتماعي للأفراد والجماعات , حيث تعلق عليه الفضائح والإنحرافات ومختلف أنواع السلوك الأعوج , زادت ووصلت إلى درجة عالية من الخطورة , وانزلقت إلى درك سحيق من الجرأة والوقاحة ينذر بأوخم العواقب على مجتمعاتنا وخاصة الأجيال الناشئة منها , مما يوجب مواجهتها بأعلى حس من المسؤولية الأخلاقية , وليست الرقابة , من جانب القيمين والعاملين في هذا القطاع الحيوي في المنطقة العربية , ففضلا عن كونها تغولا وانتهاكا فجا وكريها لحرمة هذا الفضاء الذي وجد أساسا ليكون أداة ووسيلة لنشر المعرفة الهادفة والثقافة الراقية وتعميق التفاهم والتواصل بين الأمم والشعوب , فإنها تعمد إلى تشويه وخلخلة أركان منظومة القيم والمباديء السامية التي تشكل أسس المجتمعات العربية والاسلامية .
إن ما يجري في فضائنا الإعلامي العربي من مطاردة وملاحقة بلا هوادة ومحاصرة خانقة للرأي العام على مدار ساعات اليوم الأربع والعشرين من قبل بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة واللامبالية بشرف الرسالة الإعلامية , التي تفح وتنفث ما تعج به في داخلها وبما تجلبه من خارجها , من زبد الكلام الركيك والفكرالمنحرف والصورة الرديئة المستقبحة , تحت دعاوى الحرية والديمقراطية والإنفتاح ومواكبة عصر العولمة , قد تجاوز حدود الحرية , ودخل بالفعل إلى دائرة التعدي على الرأي العام من خلال تلويثه وتسميمه بما تبثه وتذيعه وتنشره من مواد وبرامج لا تراعي الخصوصيات ولا تقيم وزنا للمحرمات ولا تأبه لآثارها المدمرة على المجتمعات .
من حق الرأي العام العربي أن ينظر بعين الشك والريبة إلى استمرار البعض في هدم قيم الوسطية والتسامح والترابط في المجتمعات العربية والاسلامية , وإلى هذا التكاثر البكتيري للوسائل الإعلامية من صحف ومجلات وفضائيات في الآونة الأخيرة وخلال فترة قصيرة جدا , في الوقت الذي يزداد فيه الواقع العربي تأزما وتتراجع فيه خطى العمل العربي المشترك لصالح النعرات الطائفية والدينية والجهوية ! لقد حان الوقت لكبح جماح هذا الإنفلات والإستلاب الإعلامي وممارسة الحرية المسؤولة .