في هذه الأيام يحتفل المثقفون العرب سواء في الوطن العربي أو خارجه باحتفالية توزيع جوائز الدورة الثامنة لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، هذه الجائزة التي نالت ذلك الاحترام والتقدير منذ تأسيسها في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، حينما فكر الإخوة في مجلس إدارة الاتحاد في إيجاد جائزة للمبدعين العرب، وكان أن رحب المرحوم سلطان العويس بالفكرة، وساهم في وضع أسسها الموضوعية، وأن يكون التحكيم هو الأساس، فلم يتدخل رحمه الله في أعمالها، وقدم اقتراحاً حول جائزة الإنجاز الثقافي، والتي لا يتدخل التحكيم فيها. وبدأ المشوار الصعب في تلك الأيام، وهي الأيام الأولى للجائزة، إلا أن الجميع كان متفقاً على أن المبدع هو الأساس، ولا يؤخذ بعين الاعتبار الجانب الأيديولوجي والفكري للمتقدم للجائزة. مع مرور السنوات تأكد الجميع أن المؤسسة لا تتدخل في نتائج التحكيم وأن القرار النهائي هو قرار المحكمين، وبات من المعروف أن جائزة العويس هي جائزة مستقلة غير حكومية، وأن المبدع الذي يستحقها سوف ينالها بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
لقد مرت المنطقة العربية بمنعطفات فاصلة في هذه المرحلة، فقد كان للأحداث السياسية الكارثية أثر على كل شيء، وكان البعض يعتقد أن المؤسسة سوف تحيد عن الموضوعية إلا أن نتائج التحكيم في كل مرة كانت تؤكد على استمرار نهج الحياد من قبل مجلس أمناء المؤسسة. وقد تأكد لأكثر من مرة أن المؤسسة مصرة على المحافظة على سمعتها كجائزة لا تتبع الأهواء أو التوجهات السياسية السائدة.
إن المتتبع للفائزين بالجائزة سيجد كل الأطياف السياسية والتوجهات الأيديولوجية، وأن الإبداع لا هوية تحد من إنجاز مشروعه، وأن الاختلاف حول أولئك المبدعين يؤكد على أن ذلك العمل الإبداعي قد خلق جواً من طرح التساؤلات، وجعل القضايا التي يطرحها في مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية مثال جدل دائم، وهذه هي ملامح الأمة الحية والتي تجعل العقل هو القائد والمُسير وليس العاطفة.
إن التلاحم الإيجابي بين المثقفين ورجال الأعمال المستنيرين، يؤدي إلى خلق مؤسسات تخدم المجتمع وتساهم في تطوير الحياة الثقافية، وتبقى هذه المؤسسات تعمل بعدما يرحل الجميع عن هذه الدنيا. إلا أن المهم المحافظة على الموضوعية والحيادية في عمل هذه المؤسسات، وألا تسود النظرة الضيقة التي يتحدث ويدافع عنها أشباه المثقفين، أولئك الذين لا يرون الحقائق كما هي، بل يحاولون قدر المستطاع تشويه سمعة كل عمل ناجح. فهم دائما معاول هدم، وليست لديهم القدرة على العمل الجماعي والمنظم. أقول هذه العبارة وأنا أتذكر مواقف المرحوم سلطان العويس التي أكدت على عدم التدخل في شؤون المؤسسة منذ البداية، وكان يؤكد على استقلالية الجائزة، وأهمية الحياد من قبل مجلس الأمناء، وكان يؤمن إيماناً عميقاً بدور لجان التحكيم وأن دوره محصور في اختيار جائزة الإنجاز الثقافي.
إن ما قامت به المؤسسة من دور ثقافي سواء في المجال المحلي أو العربي والعالمي يؤكد على أهمية العمل الجماعي، وأن المؤسسات المستقلة يمكن أن تلعب دوراً في الحياة الثقافية، خاصة حينما لا تتدخل في مجالات غيرها.
لقد غيب الموت عنا صاحب الجائزة كما غيب عدداً غير قليل ممن فازوا بها، فلقد غيب الموت محمد مهدي الجواهري كما غيب سعدالله ونوس ونزار قباني وفدوى طوقان وعبدالرحمن منيف. ويكفي الجائزة فخراً أن يكون هؤلاء قد حظوا بالتكريم في حياتهم خروجاً عن القاعدة السائدة في الوطن العربي حيث لا يعير الناس أهمية للمبدعين إلا بعد أن يموتوا حيث تدبج مقالات الثناء والمديح عن مآثرهم الخالدة في وقت كان هؤلاء المبدعون يقابلون بالجحود والنكران في حياتهم. فتحية إلى المرحوم سلطان العويس وتحية إلى جميع رجال الأعمال المستنيرين في الإمارات والوطن العربي والذين يقدمون في كل يوم الدليل على أن رأسمال المال قد يلعب دوراً تنموياً وثقافياً. والإمارات تزخر بمثل هؤلاء الذين يثرون الحياة الثقافية ويقدمون لها كل الدعم. وتحية إلى المبدع العربي في الوقت الذي تتوجه فيه السهام إليه لأنه لم ينضم بعد إلى جوقة المبشرين بفجر الحرية الجديد القادم مع جحافل الاحتلال التي تجتاح وطننا العربي وتعيده إلى عقود مضت، حيث ظن الناس أن زمن الاستعمار الكولونيالي قد انتهى، ولكن يبدو أنه عاد إلينا تحت مسمى جديد اسمه التحرير، وفكر جديد تقدم لنا جرعاته من "الحرة"!!!!