في السادس والعشرين من مايو 1980، قمت بصياغة مذكرة لرونالد ريجان ومستشاريه. كان مركز ريجان باعتباره مرشح الجمهوريين للرئاسة قد أصبح مضموناً بحلول ذاك التاريخ.. ولكن كان لابد من مرور شهرين إضافيين تقريبا، كي يتم إعلان ترشيحه بصفة رسمية في مؤتمر الجمهوريين القومي. كان عنوان تلك المذكرة هو "استراتيجية لفترات التوقف السياسي"، أورد فيما يلي مقتطفاً موجزاً منها:
"أمامنا فترة ستة أسابيع تقريبا تتوقف خلالها المنافسات السياسية، أي أنها ستكون فترة من التوقف السياسي. وعلى رغم أن هناك رياحاً سياسية خفيفة ستهب قبل عقد المؤتمر، فإننا نستطيع، أن نستخدم تلك الفترة بطريقة مفيدة كي نقوم بتوجيه حملتنا إلى أقرب نقطة من هدفها المتمثل في انتخابك كرئيس للولايات المتحدة الأميركية".
"وخلال فترة التوقف هذه، فإننا سنواجه حتماً خطر قيام وسائل الإعلام بالتقاط رواياتها الخاصة (وبعضها سيكون سلبياً للغاية). هناك خيار آخر أمامنا.. وهو أن نقوم نحن، بصورة ما، واستنادا إلى حقيقة أن وسائل الإعلام تركز أنظارها عليك باعتبارك مرشح الحزب للرئاسة، بكتابة السيناريو الإعلامي الخاص بنا".
ها نحن نواجه فترة التوقف السياسي مرة ثانية.. ورأيي أن المرشح الذي يدير أموره بطريقة أفضل من باقي المرشحين خلال تلك الفترة من توقف النشاط، هو الذي سيحصل على مزية كبيرة في الشهور التي تسبق عقد المؤتمر القومي لحزبه. وعلى رغم أن تلك الفترة تشكل خطرا على الرئيس بوش، إلا أن السيناتور جون كيري (أو ربما السيناتور جون إدوارد) هو الذي يمكن أن يفقد الكثير خلال تلك الشهور.
وإذا ما تمكن السيناتور كيري أو كاد.. من انتزاع ترشيح الحزب الديمقراطي خلال الترشيحات التمهيدية التي ستجري خلال الأسبوع القادم - وهو ما يبدو مرجحا حتى الآن- فإنه سيكون فريسة سهلة للهجوم خلال الفترة الواقعة ما بين منتصف مارس إلى يوليو.. وهو موعد عقد المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي. سوف يكون كيري في وضع لا يختلف عن ذاك الذي كان فيه ريجان في ثمانينيات القرن الماضي.
بيد أن ما هو أسوأ من ذلك، أن فترة التوقف السياسي للديمقراطيين ستكون طويلة للغاية خلال هذا العام: فلكي يقوم الحزب بتوحيد صفوفه، واستكمال عملية الترشيح بسرعة، فإنه اضطر لتقديم موعد عقد ترشيحاته الأولية، بحيث ينتهي من معظم الترشيحات الكبرى قبل حلول منتصف مارس القادم.
وماذا بعد؟ بانتهاء المعركة الأولية، سوف تكون معالم صورة المرشح قد تبلورت بشكل أوضح (حظي الديمقراطيون طويلا بالأضواء الإعلامية، ولكن مشكلتهم تمثلت في أنه كان هناك عدد كبير من المتنافسين الذين يتنازعون على الفوز باهتمام الناخبين).
لفترة من الوقت ستظل الانطباعات عن السيد كيري غير محددة.. ولكن هذا لن يستمر طويلا. وبمجرد أن تتبلور الآراء بشأنه، فإنه سيكون من الصعب عليه أن يقوم بإعادة تعريف نفسه. أما موقف الرئيس بوش فهو أقل تعرضا للتغيير، حيث إن سيرته الذاتية معروفة جيدة، وسجله ثابت تماما.
من المحتم بالنسبة للمشرفين على حملة كيري – حسب ما هو واضح أمامنا- أن يقوموا باستنباط استراتيجية يستطيعون بها مواجهة فترة التوقف السياسي هذه. وهذا الأمر لا ينطبق على الجمهوريين، الذين توفر لهم هذه الفترة فرصة لا تقدر بثمن. فإذا ما نجحت حملة بوش في تقديم جون كيري للناخبين في الصورة التي تختارها، فإن الرئيس قد يكون قادرا حينئذ على عكس التدهور في شعبيته الذي بدا واضحا من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة.
على رغم أن الأرقام التي جاءت في تلك الاستطلاعات قد سببت قلقا لدى بعض الجمهوريين.. إلا أن الأمر المؤكد هو أن الرئيس بوش سوف يتذكر أين كان يقف والده، عندما واجه هو الآخر، سياسيا من ولاية ماساشوسيتس. ففي مايو 1988، كان مايكل دوكاكيس، يتفوق على جورج بوش الأب في استطلاعات الرأي.. بل إنه تفوق عليه بنسبة 16 في المئة من النقاط في أحد تلك الاستطلاعات. وعلى رغم ذلك تمكن بوش الأب من عكس اتجاه التيار من خلال القيام بحملة دعائية جريئة.
السؤال هنا هو: إذن ما هو الموضوع الذي يمكنه أن يقوم بتحييد تأثير فترة التوقف السياسي التي نتحدث عنها؟ هذا الموضوع في رأيي هو الأمن. فالأمن، بكافة معانيه، سيكون هو الخيط المشترك في الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2004. وفي معركة شد الحبل السياسية، التي ستندلع على مدى الشهور القليلة القادمة، فإن السياسي الذي سيتمكن من الفوز، هو ذلك الذي سيستطيع أن يتفوق على منافسة أمام الناخبين الأميركيين، في طرحه المتعلق بالأمن بمعناه الواسع.. أي الذي يشمل الأمن الاقتصادي والأمن الدولي في آن معا.
ومما لا شك فيه أن التطورات التي ستحدث عقب المؤتمر القومي للحزبين سوف تؤثر على مستوى الدعم الذي يتلقاه كل مرشح.. ولكن الحقيقة هي أن محاولات كل من الرئيس بوش، والسيناتور جون كيري، لإعادة تعريف نفسيهما بحلول هذا الوقت، سوف تتطلب منهما أن يسبحا ضد التيارات السياسية.
وعلى رغم أن السيد كيري يقترب لأول مرة من تحقيق أكبر