لن تنجح المواجهة الأمنية والعسكرية بمفردها في التصدي لتفشي ظاهرة العنف والتطرف الذي تشهده الساحة الإسلامية اليوم بلا الرجوع إلى أسباب تفشي تلك الظاهرة والتعرف على أسباب نشأتها لـ"صناعة" العلاج الحقيقي لتلك الظاهرة التي أصبحت سمة لمعظم المجتمعات الإسلامية. ظاهرة التطرف ليست بالضرورة مرتبطة بالدين، فهي ظاهرة عالمية لا يخلو منها أي مجتمع في عالم اليوم، وإنما التطرف الإسلامي هو الذي صعد على السطح فأصبح الشغل الشاغل للعالم بأكمله.
على عاتق المساجد في العالم الإسلامي يقع عبء كبير، باعتبارها تمتلك سلطة روحية يمكنها إعادة التوازن للشارع الإسلامي، وبقدر ما يلتزم الدعاة والخطباء في المساجد بالمعتقد الإسلامي كما هو، بعيدا عن التطرف، بقدر ما تتحقق مهمة التثبيت السياسي والتطور الاجتماعي. وإذا كانت عملية تسييس الخطب الدينية بدأت عقب نكبة (1948) بحكم ما ولدته من آثار سلبية في الواقع العربي والإسلامي، فإن الإمعان بالتسييس على حساب منطلقات الدعوة الإسلامية والحضارة الإسلامية سوف يورث الانقسام في المجتمع ويحيي بؤر التطرف والغلو بدلا من دعوات التسامح.
العالم لم يعد دار حرب ودار الإسلام، كما يقول بعض مشايخ الدين، فالتداخل الديموغرافي عطل هذا التصنيف، بصرف النظر عن اصطدامه بالشرائع والقوانين الدولية. وهذا المفهوم يجب إعادة النظر فيه من قبل مراكز الإفتاء الدينية كالأزهر الذي - وللأسف الشديد - تراجع دوره التاريخي، وانخفض صوته في التصدي للغلو في تفسير النص الديني.
هناك ثمة تصور في العقلية العربية الإسلامية في معالجتها لموضوع التطرف والغلو، فأغلب مفكري الأمة وجهوا الجهود للرد على هجمات الغرب على الإسلام ونسوا بأن الغرب لديه أكثر من سبعة آلاف جمعية ومركز إسلامي ومسجد ويعيش فيه أكثر من 16 مليون مسلم وتشير استطلاعات الرأي أن هناك اعتقادا كبيرا بين الغربيين بأن الدين الإسلامي يحض أتباعه على العنف.
علينا كعرب، أكثر من السابق، المساهمة في الحوارات الأوروبية الدائرة حاليا حول مستقبل العالم في ظل تفاقم ظاهرة التطرف والإرهاب الديني، وعلينا أن نخطو خطوات نحو إصلاح أوضاع الداخل وخصوصا التعليم الذي أهمل لعقود طويلة وكانت نتائجه شبابا يحمل أفكارا متناقضة وغير منسجمة مع ذاته ويعجز عن التعامل مع العالم.
هناك حاجة عربية وإسلامية للمضي في طرح دعوة حوار الحضارات على قاعدة الإقناع العقائدي والحضاري. فلن يمكننا أن نعيش في هذا العالم إذا ما أقنعنا أنفسنا بأننا نحن الذين نسير على الطريق الصحيح، ونحن وحدنا الأمة التي يرضى عنها الرب كسبيل للحط من شأن الأديان والثقافات الأخرى، فالأمم الأخرى لديها تراثها ومعتقداتها التي تعتز بها، وعلينا تدريب أبنائنا على احترامها وتقديرها.
إعادة بناء العقل العربي هي الأداة التي نستطيع عبرها محاصرة الأفكار المتطرفة لتذوب في تفاعلنا وتواصلنا مع الآخر، مهمة الدولة ومسؤولياتها حيال إعادة التوازن في المجتمع كبيرة، فهي تهيمن على منابع الفكر والصحافة والإعلام والتعليم والمساجد، وبإمكانها بلورة مشروع ثقافي يقوم على أسس احترام الآخر بدلاً من الاصطدام به.