حرصاً منه على تعزيز الإجراءات الوقائية الخاصة بمعاهدة حظر نشر الأسلحة النووية، طالب الرئيس بوش مجلس الشيوخ بإجازة ما يعرف بالبروتوكولات الإضافية للمعاهدة. وكانت هذه البروتوكولات قد تصدرت عناوين الصحف الرئيسية بسبب الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على إيران، في سبيل التوقيع عليها. وبالفعل فقد وقعت طهران بعد لأي وجهد، على البروتوكولات الإضافية، إلا أنها علقت مسألة المصادقة عليها. ولكن للأسف، فإن المعايير التي تقترحها واشنطن للحد من نشر الأسلحة النووية، ربما كان ضررها أكثر من فائدتها في هذا الخصوص. يذكر أن البروتوكولات هذه، كانت قد نجمت عن حرب الخليج الأولى عام 1991. وعقب نهاية المواجهة المسلحة مباشرة، وجد فريق مفتشي الأسلحة الدوليين سبيله للدخول إلى المواقع العراقية المشتبه في وجود أسلحة نووية سرية فيها. وكشفت عمليات المسح والتفتيش عن مشروعات واستثمارات عراقية ضخمة في هذا المجال. غير أن المزعج والمثير للقلق في الوقت ذاته، هو فشل الإجراءات الوقائية الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية في تعقب هذه المشروعات مسبقا.
استجابة منها لتلك الثغرة في نظام عملها الرقابي الوقائي، بادرت الوكالة إلى إضافة البروتوكولات المذكورة في عام 1997 كي تكون ملحقة باتفاقية الإجراءات الوقائية القياسية. وبموجب هذه البروتوكولات، فقد ازدادت صلاحيات الوكالة فيما يتعلق بمراقبة أنشطة تدوير الوقود النووي، وغيره من مواد وبحوث وتصنيع وحركة استيراد ذات صلة. كما أصبح في مقدور الوكالة القيام بعمليات التفتيش في المواقع المعلنة وغير المعلنة مما يشتبه بوجود أنشطة نووية فيها، بأسرع مما كان عليه الحال سابقا. والهدف من كل ذلك بالطبع، هو ردع ممارسات الغش والسرية في هذه الأنشطة، بواسطة الإجراءات الرقابية المسبقة.
ولكن المؤسف حقا، أن هذه البروتوكولات ليست ملزمة بعد. ذلك أن عدد الدول الموقعة والمصادقة عليها، من بين 148 دولة من الدول الأطراف في معاهدة نشر الأسلحة النووية، لا يتعدى 38 منها فحسب. وما من شك في أن مما يثير القلق والانزعاج، عجز هذا العدد الكبير من الدول الأطراف في المعاهدة، عن توقيع البروتوكولات المذكورة والمصادقة عليها. سعيا منه لمعالجة هذا الخلل، قدم الرئيس بوش أثناء خطابه الذي ألقاه في الحادي عشر من شهر فبراير الجاري، أمام حشد في جامعة الدفاع القومي في واشنطن، اقتراحا لحل هذه المشكلة. يتلخص الاقتراح في منع الأفراد المدنيين من تقديم أية مساعدات للدول التي عجزت عن التوقيع والمصادقة على البروتوكولات الوقائية.
صحيح أن هذه توصية جيدة ولا غبار عليها، إلا أن عيبها يكمن في أنها تضعف موقف الرئيس. وليس أدل على ذلك من الطلب الذي تقدم به لمجلس الشيوخ للمصادقة على البروتوكولات، بسبب سعة إطارها. ففي الموافقة على هذه البروتوكولات، تبقى هناك مشكلة لابد للإدارة من حلها وتجاوزها: كيف للولايات المتحدة- وهي دولة نووية كبرى معروفة- أن تطبق اتفاقية تتصل بالرقابة على الأسلحة النووية، صيغت نصوصها أصلا بغية الحد من نشر الأسلحة ذاتها التي تمتلكها؟ في الإجابة على هذا التساؤل قدمت الإدارة حلا ذا اتجاهين: أولهما استثناء كل ما يتعلق بالأمن القومي الأميركي. بمعنى منع إجراءات تفتيش الوكالة العالمية للطاقة الذرية لأية مواقع ومنشآت لها صلة بالأمن القومي الأميركي. وفي الوقت ذاته، يتم فرض قيود وحدود على عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة في مواقع الأنشطة المدنية النووية.
بالنظر إلى الوضع النووي الأميركي، يستطيع المرء أن يفهم سبب استثناء مواقعها ذات الصلة بالأمن القومي. غير أن استثناء المواقع المدنية، وتقييد عمليات التفتيش فيها، هو ما أثار حفيظة الكثير من المنتقدين والدول، إذ بدت لهم لونا صريحا من ألوان ازدواجية المعايير. وكان طبيعيا أن تثير بعض الدول هذه الملاحظة خلال التفاوض حول البروتوكولات. لكن وحتى هذه اللحظة، فإن البروتوكولات المطبقة على الدول النووية، لا تعطي مجالا لأية استثناءات تجارية. خلافا لذلك، فإن خطة إدارة بوش تنص على استثناء الأنشطة التجارية، بما فيها الأنشطة ذات الصلة المباشرة بالأمن القومي. بل وتنص خطة بوش على ما هو أبعد من ذلك بكثير. ففي معرض تجاهل المعايير التي حددتها البروتوكولات الإضافية لحماية وتأمين المعلومات التجارية ذات الصلة بالأسلحة النووية، أفادت الشهادة الأخيرة الصادرة عن مجلس الشيوخ الأميركي أن الولايات المتحدة الأميركية تحتفظ- ودون إبداء أية توضيحات- بكامل الحق في تطبيق استثناء، تمنع بموجبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الدخول إلى أي من مواقع الأمن القومي الأميركي، على أن يكون هذا الحق كاملا وقابلا للتطبيق باستمرار. بل يمضى النص إلى القول: إنه لا يحق للوكالة أن تجادل الولايات المتحدة أو تقارعها في هذا الإجراء. أكثر من ذلك، فإنه يحق لشركات القطاع الخاص الأميركية أن تحتج على إجراءات التفتيش، ما لم يكن بموجب إذن تفتيش صادر عن الإدارة الأميرك