تناولت في أربع مقالات سابقة موضوع تعليم الإسلام، وعرضت فيها الكتب المقررة على الصفوف الثلاثة الأولى في التعليم الابتدائي، في الفصل الدراسي الأول من السنة الدراسية. وتبين لي في أثناء ذلك العرض ضآلة القدر المقرر من القرآن الكريم حفظاً ودراسة بشكل لافت للنظر. ووقوع أخطاء في ضبط بعض الكلمات القرآنية، وإهمال شرح معاني بعض الكلمات التي تقتضي معانيها شرحاً، وحَشْر معانٍ لا تمت إلى النص القرآني بصلة عند شرحه وكأنما المراد حشوها في ذاكرة الطلاب (الأطفال) مرتبطة بالدين ولو لم يكن فيما يدرسونه دليل عليها، مع ترك ذكر أدلتها الصحيحة، وهي كثيرة في القرآن والسنة!
ولاحظت أن الكتب المقررة على الصفوف الثلاثة عللت بعض أركان الإسلام بما لا يصلح علة له! وأهملت كثيراً من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية، بل نسيت ذكر الطاعة الواجبة لله تعالى، وهي علة العلل في العبادات جميعاً وعلى رأسها أركان الإسلام(!)
وأبدأ اليوم النظر في كتب تعليم الإسلام المقررة في المدارس السعودية، في المرحلة الابتدائية، لتكون المقارنة بينها وبين كتب تعليم الإسلام في المدارس المصرية مقارنة منصفة.
أول ما يلفت النظر في كتب تعليم الإسلام السعودية أنها تصدر عن جهتين هما وزارة المعارف (التربية والتعليم الآن) بالنسبة للبنين، والرئاسة العامة لتعليم البنات بالنسبة لهن. وقد كان هذا الوضع ممكناً تسويغه عندما كانت رئاسة تعليم البنات منفصلة عن وزارة التربية والتعليم. وهو انفصال له أسبابه التاريخية المعروفة؛ لكنه لم يعد مقبولاً من الناحية التربوية فجرى ضم الرئاسة العامة لتعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم وأصبح لها نائب وزير لشؤون البنات. فكيف يكون سائغاً بعد هذا الضم أن تظل كل من الجهتين تصدر كتبها باستقلال عن الأخرى، لا سيما في تعليم الإسلام، حيث المادة واحدة تقريباً، ولا خلاف إلا في إخراج الكتاب وطباعته، أي في الشكل لا في الجوهر. وكتب الرئاسة العامة لتعليم البنات التي تحت يدي هي طبعة هذا العام الدراسي 1424- 1425هـ (2003- 2004م) أي إنها صادرة بعد نحو سنتين من انضمام الرئاسة العامة لتعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم، فكان حرياً أن يختار أفضل الكتابين المتناظرين، أو أن يجمع بين أفضل ما في كلٍ منهما، ويطبع كتاب واحد للبنين والبنات.
وليست هذه الملحوظة متعلقة بالشكل فقط، وإنما هي ذات اتصال وثيق بالتنشئة العامة للبنين والبنات في المملكة العربية السعودية. فإن توحيد الكتاب المدرسي للبنين والبنات يشعر بوحدة المعرفة، ويؤكد المساواة المقررة شرعاً بين الذكور والإناث. ويتأكد ذلك عندما نلاحظ أن معظم البيوت تضم بنين وبنات من أعمار متقاربة، وأن صغار السن من الأقارب تجمعهم أوقات الدرس وأوقات اللهو، ويطَّلع بعضهم على كتب بعض، فكلما كان الفارق ظاهراً بين الكتابين كلما رسخت في نفوس الصغار فكرة وجود فوارق جوهرية أو حقيقية بين البنين والبنات. والحديث هنا ليس - طبعاً - عن الفوارق الخَلْقِية، فهذه حقيقة مدرَكة للصغار والكبار معاً، وإنما الحديث عن الفوارق في المكانة الاجتماعية، والأهمية الذاتية، وعن التفاخر الذي ينشئه الشعور، أو القول، بأن: «كتابي أجمل من كتابك» أو «أكبر» أو «أصغر» ... مما يحيل العلاقة بين النظراء الصغار - وهم برءاءُ أطهار - إلى علاقة مشوبة بالغيظ أو الاستعلاء أو الاستكبار أو الاستضعاف، حسبما يكون أثر ذلك التنافس والتفاخر في كل نفس صغيرٍ أو صغيرةٍ. ويكبرون وتكبر الآفات معهم، وقد تستعصي إذا تمكنت من النفوس على المداواة الناجعة، فتكون أول أسباب الشقاء في الأسرة والجماعة، سبَّبها المربون من حيث لا يدرون، ومن حيث لا يريدون!
الأمر الثاني الذي يلفت النظر في الكتب السعودية هو تجزئتها المعارف الدينية منذ الصف الأول في المرحلة الابتدائية! فثمَّ القرآن الكريم، وتلميذ الصف الأول يحفظ منه السور الاثنتين وعشرين الأخيرة من المصحف الشريف (من سورة الضحى إلى سورة الناس). وهو قدر كافٍ لتعليم التلميذ الأحكام الأساسية للعقيدة الإسلامية، ولتعليمه الأحكام الأساسية للتجويد عمليا بإحسان المعلِّم - أو المعلِّمة -للقراءة، والتنبيه على أحكام الحروف المهمة، كالميم والنون وحروف الإدغام والإظهار والإخفاء والمدّ بأنواعه والقلقلة وغيرها. وقد رأيت في مصر من يعلَّم مُعْظَم ذلك بقراءة سورة الصمد والمعوذتين! (فصل: الشيخ أحمد أبو شادي من كتابنا مواقف وشخصيات عربية ومصرية، دار المعرفة 2004).
ويتعلم التلميذ مع القرآن الكريم التوحيد، وهو ضروري لأنه أصل الأصول في العقيدة والشريعة جميعاً. لكن تعلمه من خلال القرآن الكريم من مثل سورة الصمد، وسورة الكافرون، وسورة الفاتحة (وهي جزء من المقرر) وسورة العلق، وكلها من السور المقررة على الصف الأول الابتدائي، أولى من تعلمه من خلال الأسئلة والأجوبة التي تحفظ ولا تفهم، كما يراها المطالع لكتاب الرئاسة العامة لتعليم البنات. أو من خلال الجمل النمطية التي تحفظ غالباً عن ظه