يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية مصممة على الاستمرار في إطلاق المبادرات والسياسات لإصلاح وضع العالمين العربي والإسلامي، وكثرة هذه المبادرات والسياسات وراءها اعتقاد جارف بأن التعامل الجدي مع ظواهر المنطقة أمر لابد منه لتفادي ظاهرتي الإرهاب والتطرف واللذين، شئنا أم أبينا، ارتبطا بالمنطقة. ولا يخفى أن كون الفئة الحاكمة والمتحكمة في القرار الأميركي حاليّاً فئة أيديولوجية تنظر إلى العالم من خلال منظار ضيق لا يتحمل تعدد التوجهات ولا يؤيد الوسطية في الرؤية والمقاربة، والتوجه الأيديولوجي بطبيعته ميال للخطط التي تبسط الأوضاع المعقدة اعتقادا أن مثل هذه التوجه يمثل الطريق الأمثل للتصدي للتحديات، فواشنطن ستستمر في إطلاق المبادرات والخطط الطموحة أملا في تحويلها من مجرد أفكار وتمنيات إلى حقائق على الأرض.
ومشروع الشرق الأوسط الكبير كما طرحته واشنطن على مجموعة الدول الصناعية الثماني يقع في خانة هذه المبادرات، فهناك رغبة أميركية قوية في الدخول في شراكة مع هذه الدول المهمة لتنفيذ هذه الرؤية، وأما التخطيط فالعاصمة الأميركية تحتكره وتفاجئ به العدو والصديق. ولعل هذه الرغبة في الشراكة حفزتها النتائج الكوارثية للتدخل المنفرد لإدارة الرئيس بوش في العراق، والشعور الجمهوري على ما يبدو بأن البعد الدولي والأوروبي لابد منه للتعامل الناجح مع منطقتنا بوجه خاص ومع الأزمات الدولية بوجه عام. ويبقى السؤال حول خصائص وملامح هذا المشروع والذي تبدأ تفاصيله بالوصول إلى دول المنطقة تدريجيا؟
والمشروع أساسا يستند إلى الخلل الهيكلي الذي تعاني منه المنطقة العربية والذي أبرزه وحلله تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي. والنواقص الثلاثة الأساسية، والتي أشار إليها التقرير، ويريد المشروع التصدي لها، هي الحرية والمعرفة وتمكين المرأة وتحفيز دورها. وهذه الجوانب أو النواقص لابد من معالجتها والسؤال الجدير بالطرح إن كنا بحاجة إلى مشروع أميركي للتصدي لأسباب تخلف عالمنا أم أن المجتمعات العربية والحكومات العربية أجدر بالتعامل معها؟ ويتبع هذا السؤال سؤال آخر لابد من طرحه ألا وهو هل سيتصدى البعض للنواقص مقللاً من أهميتها تحت ستار التصدي للمخطط الأميركي؟
الغريب في المشروع الأميركي أن واشنطن لم تناقش خطوطه مع دول وحكومات المنطقة، وعملت على بلورته بعيدا عن مثل هذه المساهمة الضرورية، حتى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أشار إلى أنه علم بالمشروع من خلال وسائل الإعلام، بل وحين سعت واشنطن لعرض المبادرة اختارت منتدى الدول الصناعية في تجاهل واضح لدور دول المنطقة. ومثل هذه المقاربة لا شك أنها ستقلل من فرص نجاح هذه الخطة الطموحة، فالتعامل مع قضايا أساسية شائكة كالمشاركة السياسية وموقع ودور المرأة وتحرير الاقتصاد لا يتم بهذه الطريقة الفوقية بل من خلال شراكة ومساهمة من دول المنطقة.
الجانب الآخر للمشروع هو الطريقة التعليمية التدريجية للخطط المطروحة، وأقصد بذلك تبني العديد من البرامج التدريبية والتأهيلية والتي تحتاج للوقت بدلا من السعي لتبني سياسات جذرية تغير من الوضع القائم وخاصة فيما يتعلق بالنواقص الثلاثة. ومثل هذا التوجه على ما يبدو ينبع من قراءة تقول إن العالم العربي والذي عاش عقودا في ظل ديكتاتوريات قاسية لا يملك أدوات التحديث والتطوير البشرية. فاختزال المجتمع المدني ومحاربته أدى إلى هذه النتيجة، وبالتالي فالأولوية تكمن في تهيئة هذه الأدوات. ومثل هذه المقاربة تحتاج للوقت والصبر والجهد مما يدفعنا للتساؤل إن كنا أمام برنامج سياسي للتغيير أم برنامج تعليمي بعيد المدى هدفه التسلل للنسيج الحالي للمجتمعات العربية، وهو نسيج خليط من أساسيات مجتمعية وجوانب زرعتها وأسست لها عقود من الحكم الاستبدادي في العديد من الدول العربية.
ومع أن المشروع يطرح العديد من الجوانب التي لابد لعالمنا العربي والإسلامي أن يتصدى لها لمواجهة تحديات واستحقاقات المستقبل، وهي تحديات حقيقية ومتفق عليها، إلا أن هذه التحديات لم تكتشفها واشنطن فجأة بل جاءت موثقة في تقرير التنمية العربية وفي العديد من المؤتمرات والمحاضرات والكتابات، وبكل صراحة وإسهاب. وبالتالي فمن الواجب أن تكون مثل هذه المبادرات عربية نابعة من دول المنطقة وناطقة بلغتها لا أن تكون شراكة أميركية مع الدول الصناعية في تجاهل واضح للحكومات والمجتمعات العربية. ومن جهة أخرى علينا الحذر، كل الحذر، أن لا يتم استغلال التورط الأميركي في مثل هذه المشاريع للتقليل من، أو انتقاد، أو تسفيه التخلف الذي تعانيه شعوبنا ومجتمعاتنا والذي لابد من التصدي له من خلال العديد من المبادرات الوطنية والعربية وفي القريب العاجل. فورقة الإصلاح لابد من أن تكون ورقتنا ومصدر قوة لنا لا أن تستغل كسيف مسلط علينا من فترة لأخرى.