تحت عنوان "الولايات المتحدة والعراق والأمم المتحدة والأدوار" نشرت "وجهات نظر" يوم الأربعاء الماضي مقالاً للكاتبة "هيلينا كوبان" عرضت فيه لمدى تغير الموقف الأميركي من تفعيل دور الأمم المتحدة في العراق. الكاتبة خلصت في مقالها إلى أن سكرتير عام الأمم المتحدة السيد كوفي عنان يتمتع هذه الأيام بقوة تفاوضية مع الولايات المتحدة تفوق ما كان يمتلكه من قدرة تفاوضية قبيل الحرب على العراق وهو ما فسرته الكاتبة بتراجع تأييد الشارع الأميركي لوجود القوات الأميركية في العراق وعدم العثور على أسلحة صدام المحظورة حتى الآن. وتأكيداً لرؤية "كوبان" أقول إن دعوة الرئيس بوش الأمم المتحدة للمشاركة في إحلال السلام في عراق ما بعد صدام تأتي بمثابة العودة إلى نقطة الصفر وبمعنى آخر الرجوع إلى الوضع الدولي الطبيعي الذي تمارس المنظمة الدولية من خلاله دوراً محورياً في حسم النزاعات بين الفصائل المتناحرة والمتنافسة على سدة الحكم في البلاد التي تنشب فيها نزاعات أو تلك التي خرجت لتوها من حرب طاحنة. وبات واضحاً أن واشنطن تعود إلى الأمم المتحدة بعد أن تجاهلتها طوال الحرب ولم تأخذ تفويضاً منها بشن عمل عسكري استباقي ضد صدام حسين. غير أن هذا الرجوع يعني أن سياسة بوش الأحادية غير ذات جدوى لأن الواقع على الأرض يؤكد أن الولايات المتحدة لم ولن تنجح بمفردها في وضع حد لتدهور الظروف الأمنية والسياسية في عراق ما بعد صدام، كما أن حلفاء واشنطن لن يساهموا بثقلهم في إحلال السلام داخل العراق من دون قرار أممي يشرع ويضفي الشرعية المفتقدة الآن على الانهماك في معمعة بلاد الرافدين السياسية والأمنية. لكن لنا أن نتساءل هل كانت واشنطن عازمة على دعوة الأمم المتحدة إلى المشاركة في حل الأزمة العراقية إذا كانت لدى إدارة بوش القدرة الكافية والآليات اللازمة لحسم الموقف هناك دون عناصر أطراف أخرى؟ الإجابة لا لأن واشنطن اضطرت إلى طلب العون من الأمم المتحدة لتتولى الملف السياسي في حين تناشد الإدارة الأميركية حلفاءها خاصة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي للانهماك في الملف الأمني داخل العراق. خلاصة القول إن الأوضاع المضطربة في عراق ما بعد صدام أجبرت واشنطن على الانتقال، إلى حد ما، من سياساتها الأحادية إلى التعددية التي طالما افتقرت الإدارة الأميركية إليها خلال السنوات الثلاث الماضية.
محمود زكي-القاهرة