قبل أيام قررت وزارة الإعلام الكويتية منع عرض مسرحية "بودي غارد" للفنان عادل إمام ضمن فعاليات مهرجان هلا فبراير، متحججة بأن هنالك مشكلة في النص!
والمشكلة كما ذكر الدكتور سعد بن طفلة أمس على هذه الصفحات ليست في النص بل ما يرمز إليه عادل إمام من منظور محاولاته في محاربة التطرف الديني عن طريق الفن. وقبل أن أستطرد في هذا المقال أشير إلى أن إعجابي بشخصية الفنان عادل إمام توقفت عند مسرحية "مدرسة المشاغبين"، ورأيي أن أغلب ما جاء بعدها كان فيه الكثير من التكرار الكوميدي وقليل جدا من الكوميديا اللاذعة. وقد أكون مخطئة إلا أنني أعتبر أن من حق أي متفرج إبداء رأيه. هذا الموقف لا يعني أنني مع منع أية مسرحية أو كتاب أو أغنية من الوصول إلى من يريد أن يرى أو يقرأ أو يستمع أو يشاهد، وقطعا ليس من حق مجموعة من المتشددين الإسلاميين التأثير على وزير الإعلام الكويتي فيتراجع عن دعوته ويصدر قرار المنع، وخاصة أن المسرحية معروضة منذ سنوات في القاهرة وعرضت في بيروت وشاهدها الآلاف من الكويتيين كبارا وصغارا.
حكاية كبت الحريات لم تقتصر هذا الأسبوع في الكويت على عادل إمام وإنما طالت تلفزيون الفضائية اللبنانية للإرسال (إل.بي. سي) وتحديدا البرنامج الفني الذي يعرض عليها يوميا "ستار أكاديمي". فكل يوم جمعة يزور الأكاديمية الفنية أحد المطربين أو المطربات وصادف يوم الجمعة الماضي دور هيفاء وهبي لزيارة الطلاب. في الكويت ارتفعت الأصوات المتشددة في البرلمان وغيره مطالبة بالتشويش على برنامج "ستار أكاديمي"، والضغط على أفضل الطلاب فيه -الكويتي بشار(طالب موسيقى)-بترك الأكاديمية وإلا تعرض إلى ضغوط عند عودته إلى الكويت.
هل هذه هي كويت الديمقراطية؟ ماذا سيحدث لو شاهد أهل الكويت- ومعظمهم سافر إلى أوروبا وأميركا والقاهرة وبيروت أو عاش فيها حيزا من العمر للدراسة أو السياحة- مسرحية بودي غارد أو هيفاء وهبي أو برنامج ستار أكاديمي؟ ما الذي سيتغير وأيهما أفظع: كراهية وضغوط المنع، أم الانفتاح مع التوعية؟ وهل انتهت القضايا المهمة في الكويت وحلت كل المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحصلت المرأة على حقها في الانتخاب وحلت مشكلة البدون وغيرها... ولم يبقَ سوى هذين الموضوعين للتداول؟
انظروا إلى التناقض في رؤيتنا لموضوع الحريات. في نفس الفترة التي كانت فئة كويتية تحاول التشويش على ما تعرضه فضائية (ال.بي.سي)، كانت الحكومة الفرنسية تحاول استصدار قرار يسمح بالتشويش على قناة "المنار" اللبنانية أيضا حتى لا يلتقطها مسلمو فرنسا ويتأثروا بما تبثه من دعوة إسلامية. نزل بعض المسلمين إلى الشوارع ووقفوا أمام أبواب السفارات الفرنسية وطالبوا بالإبقاء على الرموز الإسلامية في فرنسا. وفرنسا لم تمنع الاعتراض ولم تحتج ولم يخرج حراس أي من سفاراتها لمواجهة المتظاهرين، بل عقدت عدة جلسات عمل مع أحد القيمين على تلفزيون "المنار" للوصول إلى حل يوقف التشويش ويرضي جميع الأطراف، وبالفعل حصل، ولا تزال "المنار" تشاهد في فرنسا.
طريقنا للوصول إلى الديمقراطية المسؤولة طويلة، ومشكلتنا مع هذه الطريق أننا نمشيها إلى الوراء.
دعوا الدنيا مفتوحة على الهواء، وعلموا أبناءكم معنى الاختيار الصحيح ضمن المفاهيم التي ترونها حقة، وبدل أن تمنعوا عادل وبشار وغيرهما الكثير قاطعوهم إن وجدتم في ذلك ضرورة، لكن اتركوا الخيار لمن يريد أن يسمع ويشاهد.