تجد بعض دول الخليج العربية نفسها في وضع لا تحسد عليه فهي من جهة تواجه ضغوطاً دولية قوية من الولايات المتحدة تدعوها لتحديث أنظمتها السياسية والاقتصادية والتعليمية لتفادي الأزمات السياسية التي قد تنشأ بسبب غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية وأزمات اقتصادية قد تتبلور وتتفاقم بسبب الاعتماد المفرط على النفط. كما أن الدعوة إلى تحديث التعليم تنبع لتفادي انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.
من جهة أخرى تجد هذه الدول نفسها بأنها معرضة للانتقاد من قبل تيارات وأحزاب وحركات إسلامية فعالة كلها تدعو إلى رفض الدعوات الغربية الداعية للإصلاح كما يدعون كذلك إلى رفض مهرجانات التسويق في الكويت مثل مهرجان هلا فبراير· أحد أقطاب الحركات الإسلامية في الكويت وهو رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي (الإخوان المسلمون) عبدالله العلي المطوع دعا الشعوب العربية والإسلامية إلى تغيير قيادتها السياسية إن لم تعد إلى جادة الصواب، وقال إن على القيادات العربية للأمتين العربية والإسلامية الالتزام بشرع الله وإصلاح الإعوجاج الذي يسيرون عليه في قيادة شعوبهم.لقد نجح تيار الإسلام السياسي في الكويت بالضغط على وزارة الإعلام, حيث قامت لجنة الرقابة المسرحية في المجلس الوطني للثقافة والفنون بمنع عرض مسرحية بودي غارد للفنان الكبير عادل إمام والتي كان مقرراً عرضها في الثالث والعشرين من الشهر الجاري ضمن مهرجانات هلا فبراير.
مشكلة دول الخليج العربية هي أنها لم تحدد ما هي طبيعة الدولة التي أنشأتها، فهي كدول تقليدية محافظة رعت تيارات الإسلام السياسي ودعمتها ضد التيارات العلمانية والليبرالية والقومية. وجاء هذا الدعم المادي والمعنوي من خلال السماح للجمعيات والأحزاب والحركات الإسلامية دون غيرها بالعمل بحرية. حتى انتشرت الجمعيات الخيرية الإسلامية في كل دول الخليج وجمعت أموالاً طائلة وأنشأت بنوكا وشركات إسلامية كبرى. ولم تفق دول الخليج لخطورة هذا التوجه حتى بعد أحداث 11 سبتمبر المؤلمة التي شارك فيها إرهابيون خليجيون. دول الخليج العربية بدأت تتحرك فعلياً ضد الجماعات السياسية الإسلامية فقط بعد أحداث الرياض في الصيف الماضي. حيث كثفت هذه الدول إجراءاتها الأمنية، لكنها لم تنجح في اجتثاث جذور الإرهاب، لأن للإرهاب أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وغيرها لا يمكن حلها بالتعسف بل بالإجراءات الأمنية.
لقد حذرنا مراراً وتكراراً من خطورة إقحام الدين في السياسة وشؤون الحكم لأن ذلك ينافي أبسط مبادئ الديمقراطية والمساواة وتمتع الجميع بحقوق الإنسان. مطالب جماعات الإسلام السياسي في الخليج واضحة وهي إقامة دولة دينية، وتطبيق الشريعة، ولأن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلاً لذلك لجأت هذه الجماعات إلى أسلوب جديد مبتكر وهو محاولة أسلمة الدولة من خلال تغيير القوانين والمناهج التعليمية والحد من الحريات الشخصية والدعوة إلى الالتزام بالأخلاق والسلوك الحسن. هذه الأمور لا ترفضها الأنظمة الخليجية ما دامت لا تتعارض مع سلطتها السياسية واستمرارها بالحكم. وما فجر الخلاف بين الدولة والجماعات الدينية في الخليج هو طموح بعض الجماعات المتطرفة للوصول إلى السلطة بأسرع وقت ممكن من خلال بعض العمليات الإرهابية ضد الناس الأجانب والمواطنين في الرياض والكويت والبحرين وعمان.
ازدواجية السياسة الخليجية أدخلتها في متاهات هي في غنى عنها، فلا يمكن دعم الجماعات الإسلامية طوال العقود الماضية ولما قويت هذه الجماعات وكبرت تدعوها اليوم للحد من نشاطها أو تقليصه. الأنظمة الخليجية هي المسؤولة عن تشجيع الجماعات الإسلامية الدينية على التدخل المتزايد في تفاصيل العملية السياسية. والمطلوب اليوم من هذه الجماعات التخلي الصريح والصادق عن هدف تأسيس النظام الإسلامي بأي شكل أو صيغة.