قد يصل النزاع الدائر حول الجزيرة القبرصية إلى نهايته أخيراً، باعتبار أن المفاوضين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين قد اتفقوا على قبول خطة توحيد الجزيرة التي قدّمها الأمين العام للأمم المتحدة. وقد وافق الطرفان أيضاً على وجوب تنصيب كوفي عنان في منصب الحَكَم في أي نزاع يبقى دائراً بين الطرفين. ومن الممكن أن يتم التوصل إلى الاتفاق قبل الأول من شهر مايو 2004، وهو الموعد المقرر لانضمام الشطر اليوناني من قبرص رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وإذا تم التوصل إلى الاتفاق، فإنه سيكون بفضل الضغوط التي مارستها الحكومة التركية على زعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكطاش. فالحكومة التركية متلهفة على حل النزاع الدائر حول الجزيرة القبرصية قبل موعد اجتماع الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2004، الذي تقرر أن يتم فيه النظر رسمياً في طلب تركيا الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. ويشكّل تحديد موعد معيّن لبدء المفاوضات حول دخول تركيا في عضوية الاتحاد، المسألة الأهم في السياسات التركية اليوم، وهو ما يفسّر مواقفها التعاونية جداً في عدد من المسائل المثيرة للجدل والخلاف، والتي أعطت الحكومات الأوروبية في الماضي مبرّراً للتوقف والتروي لدى النظر في طلب تركيا الانضمام إلى هذا النادي الحصري. وفي الأشهر القادمة، من الممكن أن نتوقع إحجام الجيش التركي عن القيام بأي تدخل ثقيل الوطأة في الحكومة المدنية، الأمر الذي يعني بدوره أن من المستبعد جداً قيام الأتراك بأي تدخل عسكري في شمال العراق ضد الأكراد ما لم يأتِ ذلك في إطار قوة طوارئ دولية معنية بحفظ السلام. فالمؤسسة التركية تعتبر دخولها في الاتحاد الأوروبي أمراً حيوياً لمستقبل تركيا كدولة مسلمة علمانية حديثة. فمن غير الممكن أن تكون هناك رهانات أكبر مما هو موجود الآن.
إن أهمية طلب تركيا الدخول في دائرة الاتحاد الأوروبي، لا ترتبط فقط بأوضاع الشرق الأوسط، بل بالدور الأوسع نطاقاً الذي يضطلع به الإسلام في العالم الحديث، إذ أن من شأن ارتقاء تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أن يكون له أثر إيجابي في عملية عصرنة وتحديث الشرق الأوسط. فالإصلاحيون الإيرانيون مثلاً يدركون أن تحقيقهم لطموحاتهم الديمقراطية سيكون أسهل عليهم إذا انضمت تركيا إلى أوروبا، باعتبار أن إيران ستكون عندئذ جارة مباشرة لأوروبا. وإذا برز كل من العراق وإيران معاً بمؤسسات تماثل المؤسسات التركية، فإن إعادة تفكير الدول العربية الرئيسية الأخرى في أنظمة حكمها لن تكون سوى مسألة وقت. وتعتبر الولايات المتحدة وأوروبا الآن أن التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، ورعاية المزيد من الحكومات النيابية فيه، عمليتان تشكلان واحدة من الطرق الرئيسية لإزالة جاذبية الراديكالية الإسلامية وتقليص حدة الفقر واليأس اللذين يشكلان تربة خصبة تزدهر فيها الراديكالية.
والمشكلة هنا هي عدم وجود مسألة أخرى أكثر استقطاباً للرأي العام الأوروبي من مسألة
احتمال انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. فهناك من جهة النُخب السياسية الأوروبية التي دعمت دخول تركيا إلى دائرة الاتحاد الأوروبي، إذ ترى أن من الأفضل سحب تركيا إلى الاتحاد، فور استيفائها كافة المعايير الأساسية، بدلاً من إقصائها عنه. لكن الساسة الأوروبيين في السر، واستجابة منهم للمخاوف القائمة، يشعرون بالتوتر الشديد حيال فكرة انضمام تركيا إلى أوروبا، وذلك لأسباب ثقافية أكثر بكثير من كونها اقتصادية، إذ أن تركيا تضم 70 مليون نسمة، وهو ما سيجعلها ثاني أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا. غير أن معدلات الولادة الحالية في تركيا تعني أنها بحلول عام 2020 ستتفوق على ألمانيا لتصبح هي البلد الأوروبي الأكبر من حيث عدد السكان، وهي إحصائيات تثير قلق الكثير من الأوروبيين.
ولذلك فإن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى تغيير أوروبا، تماماً كما ستغير منطقة الشرق الأوسط. وليس من الواضح على الإطلاق الآن ما إذا كانت الأغلبية الأوروبية مستعدة لقبول التحديات الناجمة التي سيثيرها هكذا تغييرا. ولهذا السبب يكون من حسن الطالع عدم تحديد موعد لدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، على رغم أن أوروبا ستحدد لتركيا موعداً لبدء المفاوضات. ولذا من الممكن أن يكون الرأي العام الأوروبي قادراً خلال فترة من السنوات، ومع بدء المفاوضات وقيام تركيا بالاستعدادات لتنفيذ المهمات الصعبة المعنية بتلبية المعايير الاقتصادية والسياسية التي وضعها الاتحاد، على التكيف مع احتمال إضافة 70 مليون مسلم إلى مجموع السكان الأوروبيين. وخلافاً للولايات المتحدة التي تتمتع بتاريخ حافل باستيعاب مختلف المجموعات السكانية المنتمية إلى مختلف الثقافات في البوتقة الأميركية الجامعة، لا تتمتع أوروبا بسجل حافل كهذا. ومن المرجح أن يكون الجدل حول مسألة الاستيعاب في أوروبا واحداً من المسائل التي ستؤدي إلى أشد الانقسامات في السنوات القادمة. وقد يكون ارتقاء تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مثار قلق لدى بعض الأوروبيين