في عام 1872، لاحظ العالم البريطاني تشارلز داروين أن الأشخاص الذين تعرضوا للإصابات أو الأذيات الدماغية لا يتمالكون أنفسهم عن الاستغراق في نوبات طويلة من الضحك أو الغضب أو الحزن. وقال داروين في إحدى كتاباته إن هناك أمراضاً دماغية معينة تؤدي عموماً إلى إحداث نوبات البكاء اللاإرادي. وليس هناك حتى في العصر الحديث علاجات معينة لهذه المشكلة المحيّرة التي يطلق العلماء عليها مصطلح ظاهرة الاضطراب الكاذب الناجم عن النخاع المستطيل.
وتحدث هذه الحالة بين الأشخاص المصابين بالسكتة الدماغية أو بالأذيات الدماغية، أو الذين يعانون من أحد الأمراض العصبية الانحلالية، ومنها التصلب المتعدّد، ومرض ألزهايمر، ومرض لوغيريغ وداء باركنسون. وما تزال أسباب هذا الاضطراب النادر والمحرج مجهولة حتى الآن. غير أن مضي أكثر من 130 عاماً على اكتشاف الحالة يعني أن المصابين قد يجدون أخيراً دواءً لعلاجها.
وقد أثبت العلماء أن العقار الجديد المعروف باسم نوروديكس يتمتع بالقدرة على تقليص النوبات الانفعالية اللاإرادية لدى المصابين بمرض لوغيريغ، الذي يحمل اسم لاعب البيسبول الأميركي الشهير
(1903-1941) الذي توفي إثر إصابته بهذا الداء العصبي النادر والقاتل الذي يصيب النخاع الشوكي ويؤدي إلى وهن العضلات وضمورها على نحو مطّرد. وتقول شركة أفانير الصانعة للعقار الجديد إنه يخضع الآن للاختبار في 53 مركزاً في أنحاء الولايات المتحدة على المرضى المصابين بأذيات دماغية واضطرابات عصبية انحلالية، أي تلك التي تؤدي إلى انحلال وتفكك الخلايا العصبية والنسيج الضام المحيط بها. وقال الدكتور ريتشارد آلان سميث، مدير مركز سكريبس المعني بدراسات علم الأعصاب في مدينة لاجولا، إن خروج عقار ما من نطاق المختبر إلى المرضى أمر يستغرق زمناً طويلاً؛ غير أن هذا العقار، والكلام للدكتور سميث، قد قطع شوطاً طويلاً وبإيقاع سريع إلى حد ما.
وقد تم اكتشاف تأثير العقار في الاضطرابات الانفعالية بمحض الصدفة منذ نحو 10 سنوات، حين كان الدكتور سميث يدرس مرض لوغيريغ الذي يهاجم الخلايا العصبية في الدماغ والنخاع الشوكي. وقد بدأ سميث دراسة عنصر "ديكستروميثورفان" الذي يشكل مركباً ناشطاً في مختلف أنواع الشراب المضاد للسعال. وقد رأى سميث أن هذا المركب قد تكون لديه القدرة على المساعدة في وقف هجوم المرض على الخلايا العصبية، وذلك بمنع حدوث عملية إفراز عنصر "غلوتاميت" الكيميائي في الدماغ، وهو ملح حمض "الغلوتامين".
وبعد أن قام الدكتور سميث بتحويل العقار إلى صيغة كيميائية ملائمة تتيح بقاءه في جسم المريض لفترة زمنية أطول، قام بإعطائه للمرضى موضوع الدراسة. وقد تبين آنذاك أن العقار لم ينجح في وقف تقدم المرض وما يجري فيه من عمليات. غير أن المرضى سرعان ما أبلغوا سميث بأنهم صاروا يشعرون بتحسن وبمزيد من الاستقرار الانفعالي العاطفي في فترة تناول جرعات ذلك العقار.
ولطالما كان هؤلاء المرضى بحاجة إلى مساعدة من ذلك النوع. فمن المعلوم أن نوبات البكاء اللاإرادية التي تتعذر السيطرة عليها، والتي تشكل العلامة المميزة لهذا الاضطراب العصبي إضافة إلى نوبات الغضب والشعور بالإحباط والخيبة، تشكل بمجملها مصاعب جمّة أمام المريض في علاقاته الأسرية، بل وتؤدي إلى تقليص تأثير مساعي إعادة التأهيل. ومن المفيد هنا أن نسمع رأي الدكتور ريتشارد زوروفيتز، الطبيب والأستاذ المساعد في كلية الطب في جامعة بنسلفانيا والأستاذ في مجال إعادة التأهيل، حيث يقول إن المرضى يجدون أنفسهم واقعين في مواقف محرجة ومربكة للغاية، لا بل إن من الممكن لذلك أن يثير لديهم الرغبة والدافع إلى الانسحاب أكثر من المجتمع والانزواء بعيداً بغية تجنب الإحراج والتورط في مثل تلك المواقف.
وقد بات معلوماً، على حد قول الدكتور سميث، أن للاستقرار الانفعالي أهمية بالغة، وهو يشكل مؤشراً تفريقياً مهماً يؤكد أو ينفي تلقي المريض للمقدار اللازم من الرعاية الملائمة في منزله وبين أهله أو في دور الرعاية المتخصصة. ويستطرد الدكتور سميث في شرح ذلك ويقول: إذا كان المريض المصاب بهذا النوع من الاضطرابات يتلقى من الذين حوله ما يحتاج من الرعاية الملائمة، وإذا كان يستغرق في نوبات البكاء بسبب أقل قدر من الإثارة والتحريض، فإن من يقدمون الرعاية إليه سيجدون صعوبة بالغة في الأمر، ومن الممكن أن يظن أفراد أسرته أنهم لا يؤدون عملهم على نحو جيد ولا يعتنون بالمريض كما يجب. ولذلك يظن أفراد الأسرة أنه مصاب بالاكتئاب. ولذلك أيضاً، كما يقول الدكتور سميث، كنا ومازلنا نخفي هذه الحالة تحت البساط، كما يقال، ونحاول تجاهلها ولا ندرك عواقبها تماماً ولا نفهمها حق الفهم.
وما زال الأطباء حتى اليوم يجهلون سبب فعالية العقار المذكور وتحقيقه نجاحاً وتأثيراً في علاج ذلك الاضطراب العصبي، كما أنهم ما زالوا يجهلون حتى الآن ما يجري داخل أدمغة المصابين. ومن المعلوم، كما يقول العلماء، أن التحكم الانفعالي لدى الإنسان ينشأ في المراكز العل