نشرت هيئة الإحصاءات الأميركية تقريرا في 26 سبتمبر2003 ذكرت فيه أن معدل الفقر في البلاد بلغ خلال عام 2002م ، 12.1 في المئة مرتفعاً بذلك عن مستواه السابق الذي بلغ 11.7 في العام الذي سبق. وألقى التقرير باللائمة على النمو الاقتصادي البطيء الذي فشل حتى الآن في خلق المزيد من الوظائف. وتشير مصادر رصد الأحوال الاقتصادية والاجتماعية إلى أن الفقر في الولايات المتحدة لم يجد من يتصدى له بجدية منذ تسعة وثلاثين عاماً تقريباً عندما بادر الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون وأعلن الحرب على الفقر قائلاً عام 1964 إن هذه الأمة تستطيع بكل تأكيد أن تقضي على الفقر بين مواطنيها. لقد نجح جونسون في حربه تلك، حيث استطاع خلال الفترة من 1964 إلى 1973 أن يجعل معدل الفقر ينخفض من 19 في المئة إلى 11.1 في المئة. ولكن منذ تلك الفترة لم تتمكن الولايات المتحدة من رفع مستوى معيشة فقرائها ومعدميها إلى معدلات أفضل. ولا يتوقع أن تشهد الحالة تغييراً إيجابياً خلال السنوات القليلة القادمة ما لم تقم السلطات المختصة باتخاذ إجراءات واضحة لمحاربة الفقر والبطالة ودعم الانتعاش الاقتصادي.
وأضاف التقرير بأن المواطنين الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر الرسمي المعلن ازداد بحوالى 1.7 مليون شخص عام 2002 مرتفعاً إلى 34.6 مليون شخص بما في ذلك 12.1 مليون طفل. وشهدت أعداد الفقراء تزايداً كبيراً بالنسبة للأميركيين السود والأفراد المتزوجين، وسكان ضواحي المدن وسكان الغرب الأوسط. وقال التقرير إن دخل الأسر متوسطة الدخل انخفض بما يعادل 491 أو 1.1 في المئة سنوياً إلى معدل يبلغ 424,10 دولار سنوياً للأسرة الواحدة في المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن إحصاءات عام 2002 هي الثانية على التوالي التي توضح بأن معدلات الفقر في ارتفاع وبأن متوسط دخل الأسرة في تراجع. كانت نسبة الفقر 11.3 في المئة عام 2002، وهي نقطة متدنية بعد الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته البلاد في أواخر التسعينيات. ولكن منذ ذلك الوقت يلاحظ بأن دخول الأسر متوسطة الدخل تراجعت بمقدار يصل إلى 1440 دولاراً سنوياً للأسرة الواحدة في المتوسط.
ويقول منتقدو هذه الأوضاع إنه برغم تحسن مستوى المعيشة العام خلال الثلاثين سنة الماضية إلا أن الفقر لم يتراجع، بل الواقع أنه بات يزعج الكثيرين ويجعلهم قلقين من المستقبل، فلم تأت إدارة منذ عهد جونسون لكي تتبنى برنامجاً واضحاً تحارب من خلاله الفقر. وفي هذا السياق يقول أحد محللي مركز الميزانية وأولويات السياسة المتواجد في واشنطن العاصمة إن التحسن الطفيف الذي يبديه الاقتصاد في هذه المرحلة ليس من المحتمل أن يخفض من معدلات الفقر بسرعة، ولكن الفقر ربما يزداد مرة أخرى هذا العام لأن أعداد العاطلين عن العمل لمدد طويلة آخذة في الازدياد السريع.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فإن تقارير وإحصاءات من هذا القبيل تثير جدلاً سياسياً واسعاً، ويحاول كل فريق الاستفادة من ذلك في دعم مواقفه الانتخابية في مقابل الآخرين. فالتقرير الذي نتحدث عنه جعل الديمقراطيين مثلاً يقولون إن ما نشرته هيئة الإحصاءات من أرقام يفصح عن أن مستويات المعيشة للعائلات الأميركية في تدهور. ويرد عليهم الجمهوريون قائلين إن الركود الاقتصادي الذي حصل عام 2001 كان معتدلاً وقصير الأمد مقارنة بحالات سابقة، وبأنه برغم الركود الاقتصادي، والهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك، والحروب، لم يحدث تدهور شامل في دخل الأسرة الأميركية، مثلما أن الاقتصاد ذاته لم يتأثر بذلك كثيراً. وبالإضافة إلى ذلك فإن الإعفاء الضريبي الذي تقوم به الإدارة الحالية يساعد دخل الأسرة على التماسك.
ويرد الديمقراطيون قائلين إن عدم ترتيب الأولويات من قبل الكونجرس والإدارة يجعل معدلات الفقر تتزايد بطريقة أكبر من المفترض. فمعدلات البطالة، والإعانات التي تقدم للعاطلين عن العمل لمدد طويلة هي الآن في حالة أسوأ مما كانت عليه بعد كساد التسعينيات. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأسر ضعيفة الدخل مرهقة الآن بشكل أكبر بسبب ذهاب الإعفاءات الضريبية الخاصة بالأطفال التي تفرض على دخول تلك الأسر إلى الفئات الأحسن حالاً، دع عنك أن رواتب الموظفين الاتحاديين لم تشهد ارتفاعاً منذ عام 1997.
إن الهوة بين الغني والفقير في الولايات المتحدة تضاعفت في الفترة من أواخر السبعينيات إلى هذا الوقت، وتشير إحصائيات خرجت من مكتب الميزانية التابع للكونجرس بأنها ربما تكون الأسوأ خلال السبعين سنة التي خلت.