أكد يوم أول من أمس السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان، ومبعوثه الخاص في العراق الأخضر الإبراهيمي، ما كان يدركه الواقعيون سلفا من استحالة عملية لإجراء انتخابات عامة في العراق بحلول الثلاثين من شهر يونيو المقبل، وهو الموعد المقترح من قبل الولايات المتحدة الأميركية لتسليم السيادة للعراقيين. والعقبة التي تحول دون إجراء الانتخابات في الموعد المذكور، ليست ذات طبيعة لوجستية فحسب، بل أمنية أيضا. فليس في مقدور أحد أن يضمن سلامة آلاف المراكز الانتخابية التي لا بد من وجودها كي يدلي ملايين المواطنين العراقيين بأصواتهم. وبتعويلها على الزعيم الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني، المتمسك بإجراء انتخابات عامة مباشرة في البلاد، قبل عملية أي نقل أو تسليم للسيادة من يد الأميركيين إلى العراقيين، تكون الأمم المتحدة قد عادت مجددا للساحة العراقية، كي تصبح لاعبا أساسيا فيها.
المشكلة هنا مع تاريخ الثلاثين من يونيو المقبل، أنه لا يعني كثيرا بالنسبة للعراقيين، فيما لو جرى تأجيل نقل السلطة إلى موعد آخر. غير أنه يعني الكثير بالنسبة لإدارة بوش. فهي لا تزال على تمسكها بتنفيذ نقل السلطة، على رغم الانتقادات الواسعة الموجهة لهذا الموقف، وقول بعض منتقدي الإدارة صراحة، إن الموعد جرى توقيته وفقا للساعة الانتخابية الأميركية، بدلا من أن يحدد وفقا لمصلحة العراقيين، واستقرار بلدهم. يذكر أن الإدارة كانت قد بنت آمالها وتطلعاتها لموعد الثلاثين من يونيو، على تصورات مبدئية كانت تضع في الاعتبار إمكان الاستفادة نوعا ما، من تجربة عقد المؤتمرات الحزبية على امتداد العراق، لاختيار المرشحين الحزبيين من داخل هذه المؤتمرات. وهذا نظام معمول به على نطاق ضيق ومحدود، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. بيد أن هذه الآمال قد عصف بها وصف الزعيم الشيعي آية الله السيستاني لأسلوب الاختيار عبر المؤتمرات الحزبية بأنه غير ديمقراطي، وتمسكه من ثم، بإجراء انتخابات حرة مباشرة في البلاد، قبل أي تسليم للسيادة. ويبدو موقف الزعيم السيستاني منطقيا ومعقولا. ذلك أن حداثة التجربة العراقية الانتخابية- عقب ثلاثة عقود من الديكتاتورية- تتطلب نظاما انتخابيا يتسم بالبساطة والشفافية. وإذا استثنينا ولاية إيوا، التي لا تستطيع فيها سوى قلة من المواطنين هناك، شرح ماهية الترشيح الانتخابي عبر المؤتمرات الحزبية، فإنك لن تجد حتى في أميركا نفسها، من يستطيع أن يشرح لك ما يعنيه هذا النظام الانتخابي على وجه الدقة والتحديد.
نقلا عن أعضاء مجلس الحكم العراقي، قال الزعيم آية الله السيستاني إنه يرحب ببدائل وخيارات أخرى، بما فيها توسيع مجلس الحكم العراقي الحالي، شريطة أن تكون هذه الخيارات موصى بها من قبل الأمم المتحدة. والسؤال المثار هنا: هل ثمة طريقة يمكن بها الوفاء بموعد الثلاثين من يونيو المقترح لنقل السيادة إلى العراقيين، في ذات الوقت الذي نأخذ فيه بعين الاعتبار ما قاله السيستاني من أن على الديمقراطية الجديدة أن تختار بنفسها حكومتها التي تمثلها حقا، عبر انتخابات حرة ديمقراطية، مباشرة؟ كيف يمكن التوفيق بين هذين المطلبين المتعارضين نوعا ما؟ هنا ثمة خيار ومخرج محتمل من هذا التناقض: فليتم نقل السيادة مبدئيا للجنة عراقية خاصة- وليس لحكومة عراقية انتقالية- تكون مسؤوليتها هي تأمين إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة في أقرب وقت ممكن، ربما في الربيع المقبل. بالمقارنة يذكر أنه كان قد تم نقل السيادة في أفغانستان للجنة مشابهة خلال عمليات التحضير الجارية آنئذ لإجراء انتخابات "اللويا جيرغا" بوصفها الجمعية التشريعية البرلمانية في أفغانستان. يذكر كذلك أن "اللويا جيرغا" هي التي عينت حكومة حامد قرضاي الحالية. صحيح أن تلك التجربة لا يمكن وصفها بالمثالية، بيد أنها أنجزت مهام الانتقال الديمقراطي في أفغانستان. فلم لا نستفيد هنا في العراق، من التجربة ذاتها؟
وربما بدا للبعض أن الاختلاف ما بين الحكومة الانتقالية واللجنة الخاصة، مسألة فنية شكلية لا أكثر. بيد أن المسألة هي أعقد بكثير من مجرد فارق في الألفاظ والتعابير. فالتفويض الذي تتمتع به اللجنة الخاصة، ينحصر عادة في مهمة إنشاء طريق أحادي الاتجاه- لا رجعة منه- نحو إجراء انتخابات حرة نزيهة وديمقراطية. وربما تعين على العراقيين- تحت مظلة الأمم المتحدة- أن يصلوا للصيغة الملائمة التي تمكنهم من اختيار من سيكون عضوا في هذه اللجنة الخاصة المقترحة. ولكن مما لا شك فيه، أنها ستشمل بعض الأعضاء النافذين والمؤثرين في مجلس الحكم العراقي الحالي، علاوة على عناصر أخرى تحظى باحترام وسمعة إقليميتين، إلى جانب ممثلين لشتى ألوان الطيف الديني والعرقي والثقافي والسياسي في أوساط المواطنين العراقيين، بمن فيهم السنيون، الذين تتاح لهم فرصة جديدة لاختيار عناصرهم التي لم تربطها علاقة سياسية تذكر بالنظام السابق.
فوق ذلك وقبله، أن تكوين اللجنة المقترحة سوف يتم بموجب قرار دولي صادر عن مجلس الأمن الدولي. ويتوقع لهذ