علي عبدالله صالح: صلح مع السعودية وأمل في عضوية مجلس التعاون الخليجي


 لعل من النتائج الأساسية لزيارة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى المملكة العربية السعودية، كونها تجاوزت  أزمة الحاجز الحدودي الذي شيدته السعودية لحماية حدودها من عمليات التسلل وتهريب الأسلحة إلى جماعات إرهابية داخل أراضيها، بينما أثار قلقا كبيرا للسلطات اليمنية التي رأت أن توقيف بنائه يمثل "الخيار الأفضل والأقل تكلفة سياسية وأمنية"، كما قال أحد المرافقين للرئيس علي عبدالله صالح. وتعد القمة اليمنية السعودية بمثابة استمرار للتحسن في علاقات البلدين خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس صالح. فقد وقّع اتفاقية لترسيم الحدود بين بلاده وجارتها الكبرى السعودية، وأعطى العديد من إشارات الاعتذار عن مواقف نسبت إلى السياسة اليمنية خلال أزمة احتلال الكويت في عام 1990، وسعى وما يزال إلى نيل اليمن عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية.


أما على الضفة الأخرى للبحر الأحمر فتجلت روح أخرى للسياسة الخارجية للرئيس علي عبدالله صالح في التعاطي مع الأزمة الصومالية وتداعياتها، والنزاع على جزر حنيش اليمنية والتحرك الإريتري، ثم كان دوره أساسيا في إنشاء "محور صنعاء" الذي توخت من خلاله دول السودان وأثيوبيا واليمن محاصرة نظام أسياس أفورقي في أسمرا. ولا ننسى النصيحة التي قدمها للرئيس العراقي المهزوم قبل الحرب الأخيرة مشجعا اياه على إعادة احتلال الكويت كضربة استباقية ضد قوات التحالف التي كانت تتحضر في ذلك الوقت في الكويت. وفي ظل معادلات داخلية وخارجية بالغة التعقيد، وسع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح علاقاته مع واشنطن وزاد من تعميقها، وذلك بعد أن اعتادت دوائر عديدة على تصنيفه في سنوات سابقة كأحد القادة الأقل حماسا للسياسات الأميركية في المنطقة، فقد استضاف في بلاده معسكرات فلسطينية وفصائل مدرجة على اللوائح الأميركية للإرهاب، وتحالف مع أحزاب وحركات إسلامية معادية للولايات المتحدة. لكن حادثة تفجير المدمرة الأميركية "كول" داخل ميناء عدن في أكتوبر 2000، كشفت مستوى متقدما من التعاون اللوجستي والاستخباراتي بين الأجهزة اليمنية ونظيرتها الأميركية، فكانت لذلك فاتورته الداخلية "الباهظة"، ومنها انفراط التحالف الذي دام عدة سنين بين حزب "التجمع اليمني للإصلاح" وحزب "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم.


وفي تقدير المراقبين لأوضاع الداخل اليمني، فإن نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح تخطى خلال العقد الأخير أصعب التحديات التي واجهها. ففي عام 1994 خرج مظفرا من حرب الانفصال ونجح في ترسيخ الوحدة اليمنية، فعين في مارس 2001 رئيس الحكومة الحالي عبد القادر باجمال الجنوبي الأصل وكان وزيرا في الحكم الاشتراكي الجنوبي السابق، وأصدر عفوا في مايو الماضي عن قائمة الـ 16 المتهمين بإعلان دولة الانفصال، وعلى رأسهم نائبه السابق علي سالم البيض. وفي إشارة إلى تلك التجربة المريرة وجه الرئيس صالح تحذيرا إلى الساسة اليمنيين من نبش ملفات الثأر والصراعات السياسية السابقة، فقال مؤخرا: "لقد دفنا جماجم وأرقنا دماء عزيزة من أجل بقاء الوحدة اليمنية، ولكننا بعد ذلك قلنا عفا الله عما سلف". وبقدر ما يعد علي عبدالله صالح ابنا لنظام الاجتماع القبلي وصراعاته الثأرية في اليمن، فهو من الذين دافعوا عن النظام الجمهوري ودولة الوحدة. فبعد أن نشأ وشب في قرية بيت الأحمر بمحافظة صنعاء، التحق وهو في سن السادسة عشرة بالقوات المسلحة، وذلك في عام 1958، واستطاع من خلال المطالعة والتثقيف الذاتي أن يعوض غياب المدرسة النظامية في طفولته. وحين قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 كان أحد ضباط الصف الذين ساهموا في إنجاحها، فتمت ترقيته في العام التالي إلى رتبة ملازم أول. ولفت الانتباه إليه كضابط مقاتل خلال الدفاع عن العاصمة صنعاء أثناء حصار السبعين يوماً، فشغل إثر ذلك مناصب قيادية عسكرية رفيعة، إلى أن سيطر الجناح القومي داخل نخبة السلطة في أواخر السبعينيات، فاختير صالح رئيسا لهيئة الأركان العامة وعضوا في مجلس مؤقت لرئاسة الجمهورية، وذلك عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في يونيو 1978، ليتم انتخابه (صالح) من قبل مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو 1978 رئيسا لما كان يسمى الجمهورية العربية اليمنية في الشطر الشمالي من اليمن.


وكان في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد ما يبرر للمراقبين حينئذ أن يتوقعوا أجلا قريبا لانصراف أو صرف علي عبدالله صالح من سدة الحكم، لكنه ما يزال ممسكا بقبضة قوية على مقاليد الأمور منذ 26 عاما. فقد أعيد انتخابه في عام 1983 ثم في عام 1988، ولدى قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 انتخبه مجلس الرئاسة المتكون من قيادتي الشطرين، رئيسا له. ثم بعد إلغاء مجلس الرئاسة، انتخبه البرلمان لولاية رئاسية أخرى في أكتوبر 1994. وفي أول انتخابات رئاسية تعددية مباشرة في اليمن، فاز صالح في سبتمبر 1999 بنسبة 96 في المئة ع