جاء قرار منع مسرحية "بودي غارد" الشهيرة التي يمثل دور البطولة فيها الفنان الكبير عادل إمام في الكويت قبيل ساعات من التحضير لها ليثير علامات من التساؤل، وآهات من الحسرة. والسبب الذي سيق لمنع المسرحية "نصي" كما برره الرسميون بغطاء من لجنة مراقبة النصوص في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي.
وقد يكون المنع أقل وقعاً لو أنه تم منذ البداية، إذ جاء المنع قبل ساعات من وصول الفريق الفني للمسرحية التي كان مقررا لها العرض يومي 23 و24 من فبراير متزامنا مع مهرجان هلا فبراير وعيدي الوطني والتحرير. كان يمكن أن يكون عسر الهضم قليلا لو أن المنع تذرع بأسباب "أمنية" أو برلمانية، لكن النصية لا علاقة لها برأيي في المنع أصلا، فالمسرحية تعرض في مصر منذ خمس سنوات، وعرضت في دول عربية أخرى لا يقارن هامش الحرية فيها بهامش الحرية في الكويت، وقد حضرتها في زيارة للقاهرة ولم أرَ سببا لمنعها لأسباب نصية في الكويت، وحضرها آلاف الكويتيين الذين يزورون القاهرة باستمرار.
عادل إمام صرح بأن قوى التطرف والتعصب شكلت لوبي ضاغطا للمنع لخصومة مع ما يمثله عادل إمام وفنه. فالرجل معروف بمناوأته للتعصب والتكفير، ومساندته للحرية والتنوير، وقد قدم أعمالا فنية رائعة تناهض الإرهاب الذي اجتاح مصر في حقبة الثمانينيات، مثل فيلمي "الإرهابي" و"الإرهاب والكباب"، ففي فيلم "الإرهابي" جسد عادل إمام كيفية تشكيل الشخصية المتطرفة وعملية الغسيل العقلي التي يتعرض لها الشباب من بعض مشايخ التطرف والتكفير. كما نشط عادل إمام متظاهرا ومنددا بعمليات الإرهاب في مصر التي طالت الفنانين والكتاب وكل مناحي الحياة وتعرض بسبب مواقفه تلك إلى حملة من "فتاوى التكفير المعلبة" ومطالبة بإهدار دمه، وسيل من التهديدات.
تجتاح الكويت هذه الأيام حملة "متطرفة" منسقة، تطالب بمنع الحفلات الغنائية، والمهرجانات التسويقية وهلا فبراير، بل وتتعداها إلى خارج الكويت ضد برامج "إل.بي.سي" والقوانين العلمانية في فرنسا، لذا فمن السهل الربط بين قرار المنع وقوى التطرف، فهذه القوى منتشرة في كل أرجاء الوطن العربي، وجهودها منسقة ومتناغمة. والعداء لعادل إمام في الكويت هو الثأر لأنصار التطرف في مصر الذين ناصبوا عادل إمام العداء، وهؤلاء جميعا يدركون خطر عادل إمام عليهم وعلى فكرهم، ويعلمون مدى شعبية عادل إمام في المنطقة وبالذات في الكويت التي له فيها من المعجبين من يفوقون نظراءهم من المصريين نسبة وتناسبا. لذلك كان التصدي لعادل إمام وكل ما يمثله من فن تنويري جزءا من "الجهاد المقدس" بالنسبة للتطرف وأنصاره.
لقد قدم عادل إمام رسالة فنية تحمل مضامين إنسانية رائعة في كثير من أعماله، وهو الأمر الذي قدره المجتمع الدولي بتعيينه سفيرا للنوايا الحسنة بالأمم المتحدة. كما أن الملايين من العرب يدركون أهمية وتأثير الفن الذي يدعو إلى التفكير وخطورته على منهج التكفير، ومن المخجل حقا أن تمنع مسرحية في بلد مثل الكويت، طالما تغنت بالحرية، وكانت نبراسا للحركة المسرحية في المنطقة في وقت تخطت فيه التكنولوجيا والفضائيات كل حواجز الردع والمنع والرقابة وضحكت عليها ملء شدقيها.