هيا.. عليك الاستعداد، فربما يتحول اقتصادنا القومي إلى ما يشبه العاصفة الحقيقية في موسم الصيف القادم. وكانت أولى بوادر هذه العاصفة المحتملة قد ظهرت في الأسبوع الماضي، إثر إعلان منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط "أوبك" عن خفض إنتاجها بمعدل مليون برميل من النفط الخام، وسحب هذه الكمية من الأسواق اعتبارا من شهر أبريل المقبل. وفيما يلي تفاصيل هذا السيناريو. فالمنظمة تبدي قلقا تجاه انخفاض قيمة الدولار في البورصة العالمية. يذكر أن الدولار قد فقد ثلث قيمته خلال عامين فحسب! وبما أن المنظمة تبيع النفط من أجل الدولار، فإنها لا شك تخسر عائدات طائلة جراء استمرار انخفاض قيمة الدولار. ثم إن هذه الدول- المنتجة والمصدرة للنفط- تشتري كثيرا من متطلباتها الإنتاجية من دول الاتحاد الأوروبي، مما يعني أنها تدفع بعملة اليورو. وهذا يعني بدوره أن قدرتها الشرائية ستواصل تدهورها هي الأخرى. وللفائدة فإن القيمة التقديرية لليورو هي أنه يعادل 1.27 دولار.
ولكن السؤال الذي لابد من إثارته هو: كيف يؤثر ضعف الدولار على أسعار النفط؟ يشير فيليب كي. فيرجلير- عميد محللي أسواق النفط الأميركية والزميل الزائر حاليا في معهد الاقتصاد الدولي- إلى احتمال لجوء الدول المصدرة للنفط إلى تعديل أسعارها بحيث تعكس الانخفاض المستمر لقيمة الدولار. وها هي الدول المعنية قد فعلت ذلك نسبيا وإلى حد ما. وفيما لو واصل الدولار انخفاضه- مضى فيرجلير محذرا- فإننا سنشهد ارتفاعا في قيمة النفط من معدله الحالي الذي يوازي 34 دولارا للبرميل الواحد، إلى 40 دولارا للبرميل بحلول منتصف الصيف المقبل. إضافة إلى ذلك، فإن أسعار النفط ستظل تراوح في معدلاتها المرتفعة على امتداد الجزء الغالب من العام الجاري 2004.
ثم هناك غيوم ونذر أخرى للعاصفة، تلوح في الأفق. فالشاهد أن مخزون النفط الأميركي الخام، يشهد أدنى مستوى له الآن منذ منتصف عقد السبعينيات. أما سوق تجزئة الجازولين، فهي تمضي بلا هامش احتياطي، وصولا إلى موسم الصيف، حيث ترتفع الحاجة للسفر والتنقل، مما يعني ارتفاع الحاجة للجازولين تلقائيا. ومما زاد الطين بلة، قرار البيت الأبيض بتعويض النقص في مخزون الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد من الجازولين. فالنتيجة العملية لهذا القرار، هي انخفاض إضافي لكميات الوقود الاستهلاكي المتاحة للمواطنين في السوق.
هناك مراقب آخر وافق السيد فيرليجر تكهناته الخاصة بالارتفاع المتوقع لأسعار النفط. ذلك هو المحلل بيل فلين عن مجموعة شركات ألرون للتجارة في شيكاغو. فمن رأيه أن أسعار النفط، ربما تصل إلى الأرقام التي تنبأ بها فيرليجر بحلول منتصف الصيف المقبل. ومن جانبها فإن المنظمة- أوبك- لم تكتف بإعلانها الأخير فحسب، بل قالت إنها ستخفض إنتاجيتها من النفط بنسبة 4 في المئة، الأمر الذي يعنى ندرة النفط في الأسواق العالمية. هذا ويتوقع المحللون أن تواصل المنظمة قرارات خفضها لإنتاجيتها، سعيا منها لمواجهة انخفاض سعر الدولار. غير أن الذي يكتوي بنار هذا الارتفاع هو الجمهور. فما يعنيه نقص كميات النفط المتوفرة، وانحسار المخزون منه، مع ارتفاع الطلب على الوقود والجازولين، هو أنه سيشتري الوقود بأسعار أعلى من محطات التزويد. لنتنبأ إذا بما يمكن أن يصل إليه سعر جالون الجازولين الواحد. حسب تقديرات فيرليجر، فإن من الممكن لسعر الجالون الواحد أن يصل إلى 3.5 دولار. وهذا رقم عال، قياسا إلى السعر المتوسط الحالي لجالون الجازولين حتى نهاية يناير المنصرم، إذ كان متوسط سعره في حدود 1.66 دولار. وهذا نفسه عد أعلى سعر يسجل للجازولين في شهر من أشهر فصل الشتاء.
غير أن الارتفاع الجنوني لأسعار الجازولين، تقرره مجموعة من العوامل الأخرى، من بينها احتمالات حدوث عجز أو انقطاع في تدفق النفط الخارجي من عدة مناطق في العالم، بما فيها حدوث اضطرابات في فنزويلا أو منطقة الشرق الأوسط. وهناك أيضا احتمالات لحدوث عجز في واحدة أو اثنتين من مصافي النفط الرئيسية خلال أشهر الصيف التي يصل فيها الطلب على الوقود حده الأقصى. وليس ثمة غرابة في أن يحدث عجز كهذا خلال موسم الصيف القادم، وخاصة أن ارتفاع الطلب إلى مداه الأقصى عادة ما يرغم مصافي النفط على العمل بسعتها الكاملة، بل وبأقصاها في الواقع، الأمر الذي لا يتيح لها وقتا كافيا للصيانة ومراجعة الأعطال والخلل الفني. وفيما لو حدث ارتفاع دراماتيكي في أسعار الجازولين خلال موسم الصيف القادم، فإن التقديرات الأولية لارتفاع التكلفة على المستهلك ودافع الضريبة الأميركي- حسب تحليلات فيرجلر- سوف تصل إلى ما يتراوح ما بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار. وبذلك تكون أحلام دافع الضريبة بأمل تمتعه بانخفاض نسبي في معدلات الضريبة في وقت متأخر من العام الجاري، قد تبخرت وذهبت أدراج الرياح.
وهنا يكمن تضافر العوامل والظروف المفضية إلى هبوب العاصفة الحقيقية. فإذا ما ارتفع سعر برميل النفط الخام إلى أربعين دولارا أميركيا، متزامنا أو مصحوبا بارتفاع متواصل في أ