مؤلف الكتاب الذي نقوم بعرضه هنا وعنوانه "فقاعة التفوق الأميركي: تصحيح استخدامات القوة الأميركية" هو "جورج سوروس". مدير مؤسسة سوروس لإدارة صناديق الأموال، ومؤسس الشبكة العالمية للمؤسسات، التي تضطلع بدعم قضايا الانفتاح في المجتمعات المختلفة، ومؤلف عدة كتب منها: "أزمة الرأسمالية العالمية"، و"المجتمعات المفتوحة"، و"جورج سوروس والعولمة". وهو إلى جانب ذلك كله المستثمر العالمي الذائع الصيت، والرجل الذي ألقيت عليه تهمة تخريب اقتصادات مجموعة دول النمور الآسيوية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وأثير حوله سجال واسع حاول فيه أن ينفي التهمة عن نفسه، ويدلل على أن ما حدث في اقتصادات تلك البلدان من انهيار تراوحت شدته من بلد إلى آخر، يرجع في حقيقة الأمر إلى السياسات التي اتبعتها تلك الدول. وجورج سوروس، كما قرأنا في الصحف هو أيضا الرجل الذي قام مؤخرا بالتبرع بملايين الدولارات من أجل القيام بحملة تهدف إلى إسقاط جورج بوش في الانتخابات القادمة. وسوروس باعتباره من كبار رجال المال والأعمال، ليس من النوع الذي ينفق أمواله. وهو لا شك يدري أن ما قام به سوف يحقق مردودا. وعلى هذا الأساس فإنه ارتأى على ما يبدو أن يقرن جهوده المالية لإسقاط بوش، بجهد فكري أو نظري من خلال كتاب يقدمه للقارئ الأميركي. وكتابه هذا يندرج ضمن طوفان الكتب التي تنتقد أداء إدارة بوش، والتي ملأت أرفف المكتبات في الآونة الأخيرة، ولا يختلف عنها سوى في بعض الجوانب. ففي الوقت الذي قام فيه كتاب آخرون مثل "الترمان" و"جرين" بالتركيز على جوانب ضعف محددة في أداء الإدارة، ثم القيام بعد ذلك بتغطية تلك الجوانب بشكل مكثف فإننا نجد أن سوروس يعتمد أسلوب البساطة في عرض الحجج، التي يراها كفيله بإقناع الرأي العام الأميركي بالتخلي عن بوش. ويقدم سوروس من خلال طرحه هذا نقدا مريرا لسياسات الإدارة الأميركية وأسلوب أدائها.
من ذلك قوله على سبيل المثال إن السياسة الخارجية التي قامت تلك الإدارة بتنفيذها بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد وجهت أميركا في اتجاه سوف يقود من وجهة نظره إلى نتائج كارثية. وأن هذه السياسة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأميركي، تناقض تماما مع القيم والمبادئ والمثل الأميركية، وإنها- لذلك السبب تحديدا- لن تنجح في تحقيق أهدافها الخاصة بالسيادة والتفوق والسيطرة على مقدرات العالم. وسوروس يتهم الإدارة كذلك بأنها قد استغلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تنفيذ أجندة اليمين المحافظ، تلك الأجندة التي كان يتبناها حتى قبل أن يأتي إلى سدة الحكم في واشنطن. وهو يذهب أيضا إلى أن جسامة تلك الأحداث، وهولها، والخسائر الفادحة في الأرواح التي ترتبت عليها، هي التي جعلت الشعب الأميركي لا يحرك ساكنا، لمنع الإدارة من المضي قدما في تنفيذ هذه الأجندة. وهو يرى أن موقف الشعب الأميركي كان سيختلف بالتأكيد، إذا ما كانت الإدارة قد قامت بما قامت به في ظروف أخرى. والمؤلف يستخدم تعبير "الفقاعة" هنا، كي يصف سياسات بوش التي تبدو منتفخة، في حين أنها في الواقع مليئة بالهواء، الذي سيفرغ منها في اعتقاده شيئا فشيئا، حتى تتبدد تماما في النهاية. والسبب في وصفه لتلك السياسات بالفقاعة هو أنها تخلو من المضمون الحقيقي، وتنبني على افتراضات خاطئة، وعلى أوهام ، وضلالات. ويلجأ سوروس إلى استخدام المنظور التاريخي، والنظريات السياسية، للتدليل على صحة طرحه الخاص بضرورة رحيل الإدارة الحالية. على أن الحجج التي يوردها المؤلف في هذا الصدد، لا تضيف جديدا إلى ما كتب من قبل. علاوة على ذلك فإن حرصه الزائد على عرض حججه بأسلوب بسيط، يضعف كثيرا من منطقه، ويجعله يبدو متهافتا في أحيان كثيرة. من ذلك، قوله إن عقد اتفاقية بين الدول التي كانت موقعة من قبل على اتفاقية حلف وارسو، من أجل تطوير الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية، سيكون إجراءً أفضل من قيام الأمم المتحدة بتلك المهمة.. أو أن تلك الاتفاقية ستكون كافية لإقناع تلك الدول بتقديم المصلحة العامة لمجموع الدول، على مصالحها الوطنية الذاتية.
بيد أنه على رغم نواحي القصور هذه، فإن سوروس نجح في تقديم عرض شامل ومفصل لما يعرف بــ"عقيدة بوش"، وهو عرض نرى أنه سيساعد الكثير من القراء على فهم تلك العقيدة، التي أدت إلى تلك السلسلة من الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها الإدارة الأميركية.
والمؤلف يقدم لنا كذلك عرضا لا بأس به للسياسة الخارجية الأميركية في عهد بوش، ورؤيتها لدور أميركا في العالم. وقد استطاع سوروس أن يستفيد من خبرته الدولية في مجال المال والأعمال، وخبرته في المجال السياسي، في تقديم بعض الإطلالات والاستبصارات المهمة عن الاقتصاد الأميركي، الذي تحاول الإدارة تصويره بأنه اقتصاد قوي ومنتعش، في حين أن الحقيقة هي أنه يمر فقط بمرحلة من مراحل الانتعاش، التي ستعقبها بالتأكيد مرحلة من مراحل الانكماش- حسب قوانين علم الاقتصاد.
في النهاية، يمكننا القول إن هذا الكتاب، مثله في ذلك مثل المؤلفات التي تكتب