غداً الجمعة يصل إلى العاصمة السودانية وزير الخارجية الفرنسية ذائع الصيت السيد دومينيك دو فيلبان. الخرطوم التي يصلها الوزير الفرنسي قادماً من تشاد أعربت عن اهتمام بالغ بهذه الزيارة، ليس بحسبانها أول زيارة منذ سنوات لمسؤول فرنسي على هذا المستوى الرفيع، ولكن لما تحمله الزيارة بتوقيتها من مدلولات بالنسبة للسودان. فالزيارة تأتي مع بداية جولة المفاوضات السودانية-السودانية في نيفاشا وهي جولة يرجى أن تكون الأخيرة في جولات مفاوضات السلام السودانية. وأهم من ذلك فالزيارة تأتي في وقت قفزت فيه قضية دارفور والصراع الدائر حولها وفيها لتكون على مقدمة الهموم والاهتمامات السودانية الرسمية والشعبية. وعلى رغم أن المراقب عن بعد قد لا يستطيع أن يرى العلاقة بين مسألة دارفور وفرنسا إلا أن نظرة ثانية ستوضح الدور الذي يمكن لفرنسا أن تلعبه سلباً أو إيجاباً نظراً لعلاقتها الخاصة بدولة تشاد الجار الألصق بدارفور والوسيط الأول بين المسلحين والحكومة السودانية الذي أعلن رعايته للتفاوض بين الجانبين منذ انفجار الصراع المسلح بصورة واسعة وخطيرة أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من دارفور إلى تشاد وهو أمر يفوق طاقة تشاد. وقد كانت فرنسا المبادر الأول بدعم عمليات الصليب الأحمر الدولي لإيواء اللاجئين السودانيين في تشاد. لذلك فإن "الأمل" أن تلعب فرنسا دوراً إيجابياً من خلال علاقتها الخاصة مع تشاد يبقى قائماً، والتوقع أن يعلن السيد دوفيلبان عن مبادرة فرنسية هو حديث وارد تردده الصحف والمنتديات السياسية في السودان.
العلاقات الفرنسية-السودانية شهدت في الأشهر الأخيرة تقارباً متسارع النمو. وفرنسا العضو المؤثر في الاتحاد الأوروبي مع تمسكها المعلن بسياسة الاتحاد تجاه السودان -والتي شهدت توترات شديدة في السنوات الماضية- ظلت تفتح نوافذ مرئية وغير مرئية لترتيب علاقتها مع السودان، بأمل أن تشرع الأبواب عند اكتمال مسيرة عملية السلام في السودان. وهي قد أعلنت اهتمامها وتأييدها لعملية السلام وعينت منذ العام الماضي مبعوثاً فرنسياً لعملية سلام السودان. وعند تفجر أزمة دارفور أعلنت فرنسا مباشرة تأييدها للحل السلمي ودعمها لحوار بين الحكومة وحملة السلاح لتسوية الأزمة. وفرنسا التي تسعى بهدوء لاستعادة علاقاتها البترولية بالسودان من خلال عودة شركة "توتال" الفرنسية لاستئناف عملياتها الموقوفة في السودان، استقبلت الشهر الماضي وفداً رسمياً بقيادة وزير الثروة البترولية السوداني، كانت قد سبقت زيارته زيارة وزير الخارجية السودانية إلى باريس.
في خضم التسابق الدولي نحو السودان الدائر الآن تبدو آفاق العلاقات السودانية-الفرنسية مبشرة بتطورات إيجابية وبخاصة أن فرنسا قد أعلنت مقدماً عن استعدادها لمشاركة مقدرة في عمليات إعادة الإعمار واستدامة السلام. ومن جانب السودان فإن الحكومة -على مختلف مراحل تطوراتها- ظلت حريصة على تمتين علاقاتها الثنائية بفرنسا لأسباب معلومة. والآن وقد دخل الموضوع السوداني برمته فيما وصل إليه وأصبح الشأن السوداني مرشحاً للعرض على مجلس الأمن في مرحلة ما بعد إقرار اتفاق السلام بين الحكومة والحركة الشعبية فإن الحكومة السودانية من مصلحتها تمتين علاقاتها الثنائية مع فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي. لذلك ليس غريباً أن يتوقع الناس أن تكون زيارة وزير الخارجية الفرنسية ذائع الصيت السيد دومينيك دو فيلبان فاتحة لصفحة متطورة في علاقات السودان وفرنسا.