يتبادر للذهن في هذه الأيام سؤال مهم متعلق بموضوع الإصلاح بشكل عام، سواء في الجوانب السياسية أم الاقتصادية والاجتماعية، ومفاد ذلك السؤال: هل الأوضاع العامة بحالة يرثى لها وقد وصلت إلى حد لا يمكن معه السكوت على الاستمرار في ازدياد التدهور وبالتالي ربما حدوث كوارث في الحياة العامة؟
فمن الملاحظ منذ قدوم القوات الأميركية إلى المنطقة، وانهيار النظام البعثي في العراق، وسقوط ما كان يسمى بالجيش القوي في المنطقة (وأقصد به الجيش العراقي الذي لم يقاوم ولم يدافع عن مدينة بغداد)، والجميع يتحدث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكأن عصاً سحرية فتحت ذلك الموضوع، وبات الجميع يتحدث ويناقش ويعقد الندوات والمحاضرات، وارتفعت الوتيرة في أرجاء الوطن العربي، حتى أن الأنظمة الاستبدادية أخذت تتحدث عن الديمقراطية والتعددية.
للوهلة الأولى يعتقد البعض أن العوامل الخارجية هي التي ستؤدي إلى التحول الديمقراطي في المنطقة، وأن رياح الإصلاح قادمة لا محال في ذلك، وأن الضغوط الخارجية وخاصة من قبل الإمبراطورية الجديدة، سوف تكسر كل القيود وتغير القيم السائدة في هذه المجتمعات، وتحولها بقدرة قادر إلى دول ديمقراطية ذات نزعة حقوقية وتراعى فيها الدساتير والقوانين والأنظمة، بدلاً من النظم العشائرية والقبلية والطائفية والأثنية والشمولية وحكومات الحزب الواحد الذي يغلف ذلك بغطاء يعتمد على وجود أحزاب هامشية ليس لها تأثير في الحياة السياسية أو وجود فاعل داخل المجتمع، أو تلك النظم التي اتخذت القومية أو الدين غطاء تخفي تحته استبدادها وتسلطها وغيرها من النظم التي ما تزال تؤثر في الحياة العامة لهذه المجتمعات.
إن مراحل تطور هذه المجتمعات متباينة ومختلفة سواء في الكيف أم الكم، وإذا أخذنا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على سبيل المثال فسنجد أن كل دولة من الدول قد مرت بمراحل مختلفة من التطور والتغير. التركيبة السكانية والقوانين فيها اختلافات، فما بالك بمجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ من هنا ربما تبرز الفروقات فيما بينها، وبالتالي فإن التطور الطبيعي قد يحل المشكلة إلا أن الفرض القسري قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ولعل أشكال المشاركة السياسية إن جاز التعبير توضح ذلك، فهنالك المجالس المعينة وهنالك المجالس المنتخبة، وحتى تلك المنتخبة لا تمثل كل مواطني تلك الدولة، سواء من حيث التمييز بين الذكور والإناث أو بين المواطنين حسب قوانين الجنسية، أو من حيث سلطة رأس المال والعشيرة والتي ما زالت تؤدي دوراً مهماً في تلك الانتخابات. وللتدليل على ذلك فلو رجعنا إلى أقدم دولة مارست ما سمته الديمقراطية وهي دولة الكويت، فإن تجربتها في ذلك المجال عليها الكثير من الملاحظات والتي أوردها الدكتور أحمد الخطيب – عضو مجلس الأمة السابق- وأحد مؤسسي الاتجاه الديمقراطي على المستوى العربي في محاضرة حول مستقبل الديمقراطية في الكويت، مؤكدا أن المخاطر والمؤامرات كانت وما تزال تحاك ضد الديمقراطية من الداخل والخارج، وأنها بحاجة إلى تقييم جديد في ظل المتغيرات العالمية والاقليمية، وأن الممارسين لتلك العملية الديمقراطية لا يتجاوزون في أحسن الحالات ربع مجموع المواطنين، حيث إن المرأة لا تمارس حقوقها الدستورية وغيرها من الفئات العمرية أو بعض الفئات التي تجد أن اشتراكها في الانتخابات لن يقدم ولن يؤخر فتتهاون في الإقبال على الانتخابات. إنها ديمقراطية النخبة أو نخبة النخبة.
فلا يمكن أن تكون هنالك ديمقراطية دون وجود هيئات تساهم في خلق آليات الحياة الديمقراطية، ولا يمكن أن تكون العملية محصورة فقط في التصويت والترشيح، وبعد ذلك يعود المواطن للاسترخاء بانتظار الدورة القادمة. من المؤكد أن هنالك صراع قوى بين مختلف الفئات الاجتماعية حول أهمية أن يكون للمواطنين في كل دولة دور في الحياة العامة، لذا فليس من المستغرب أن يقف بعض أفراد السلطة السياسية ضد ممارسة المواطنين لحقهم الدستوري في الكويت على سبيل المثال لا الحصر.
من المؤكد أن العوامل الجديدة والسائدة في العالم قد تساهم في دفع عجلة التوجه نحو الإصلاح بكافة أشكاله وإزالة كافة أشكال التمييز بين المواطنين في كافة الدول العربية. وبخاصة بعد أن أدركت القوى (سواء المحلية أو العالمية)، أنه قد حان الوقت للتخلص من تبعات مرحلة الحرب الباردة والثنائية القطبية على المستوى العالمي، كما أن بروز تيارات تريد المحافظة على مكتسبات ما يسمى بدولة الرفاه، ودولة الخدمات والتي لا تتساير مع اتجاهات العولمة المتوحشة، والتي قلصت حجم وقوة الطبقة الوسطى، وخاصة حينما اعتقد بعض الأكاديميين انتهاء مرحلة الصراع الطبقي. وقد جاءت كارثة سبتمبر لتغير الحسابات وتجر الصراع نحو محاربة الإرهاب الذي وضع المنطقة في أتون ملتهب.
من المهم في ظل عملية الإصلاح أن يتم التركيز على تحسين الأوضاع العامة لكافة الفئات الاجتماعية وأن يتم الحديث عن الحرية والعدالة والمساواة. وأن يحافظ على المكتس