شهد يوم الاثنين الماضي نهاية فعاليات مؤتمر الجمعية الأميركية لتطوير العلوم، والذي يعتبر أكبر المؤتمرات على الإطلاق التي تعنى بالعلوم العامة على مستوى العالم. وعقد مؤتمر هذه السنة على مدار أربعة أيام في مدينة سياتل بولاية واشنطن الأميركية، وتضمن برنامجه أكثر من 130 ندوة علمية ومحاضرة وحلقة نقاش، جذبت العديد من الأسماء الشهيرة في جميع جوانب العلوم النظرية والتطبيقية، وحضره الآلاف من المتخصصين في المجالات العلمية المختلفة ومن عامة الناس أيضا. وحمل مؤتمر هذا العام العديد من الأخبار والاختراقات العلمية المهمة، ربما كان أبرزها نجاح مجموعة من العلماء الكوريين في استنساخ ثلاثين جنينا دفعة واحدة، والوصول بهم جميعا إلى مرحلة متقدمة من النمو، تسمح بحصد الخلايا الجذعية لغرض استخدامها في علاج العديد من الأمراض، مثل مرض الزهايمر ومرض البول السكري. وعلى صعيد الاستنساخ أيضا، تمكن فريق من علماء جامعة أوهايو من استنساخ ثلاثة بغال، وهو الاختراق الذي اعتمد فيه العلماء على فهم أعمق للعلاقة بين مستويات الكالسيوم داخل الخلية وبين قدراتها على الانقسام والانشطار. هذا الفهم يتوقع له أن يعمل على زيادة إدراكنا لطبيعة الانقسام المرضي داخل الخلايا السرطانية وكيف يمكن عكسه أو وقفه، ويحمل معه أيضا آمالاً جديدة في مجال علاج مرض السكري.
وعلى رغم أن مؤتمر الجمعية الأميركية امتلأ بالعديد من الاختراقات والبحوث والنظريات، إلا أن أغرب تلك النظريات أو الفرضيات بالتحديد جاءت من أستاذة علم الأجناس بجامعة فندربلت. فحسب فرضية البروفيسورة (فيرجينيا آبرنيثي)، سوف يتسبب انخفاض المخزون العالمي من النفط والغاز الطبيعي خلال العقود القادمة في انخفاض مماثل في معدلات الإنجاب بين شعوب الدول التي تعتمد اعتمادا أساسيا على الوقود الأحفوري لمد مجتمعاتها بالطاقة. وبنت الأستاذة الجامعية استخلاصها هذا على فرضية كانت قد طرحتها قبل ثلاثين عاما وعرفت بفرضية الفرص الاقتصادية Economic opportunity hypothesis وتنص هذه الفرضية على أن الشباب في أوقات الضيق الاقتصادي، يؤجلون زواجهم إلى سن متأخرة مما يفقدهم سنوات تكون فيها خصوبتهم في قمتها، بينما يعزف الأزواج عن الإكثار من إنجاب الأطفال خلال الظروف الاقتصادية الصعبة. وتؤيد الأستاذة الجامعية فرضيتها تلك بما حدث في الولايات المتحدة في بداية السبعينيات مع فرض الحظر البترولي العربي، وما ترافق معه من زيادة ملموسة في أسعار الطاقة بجميع أنواعها، والذي أدى بدوره إلى وقوع ركود حاد في الاقتصاد الأميركي وقتها. هذا الركود نتج عنه انخفاض ملحوظ في معدلات الإنجاب بين الأزواج الأميركيين في السنوات التي تلت، بسبب مخاوفهم من الصعوبات المالية التي ستصاحب إنجاب المزيد من الأطفال في وقت انتشرت فيه البطالة وزادت معدلات التضخم. هذه الحقيقة، أو حدوث فارق ملحوظ في معدلات الإنجاب بين الأميركيين، في فترة ما قبل الحظر النفطي والفترة التي تلت، تؤكدها بالفعل الإحصائيات الحكومية الرسمية. وفي الدول العربية كمصر والمغرب مثلا، يمكن أن نرى ديناميكيات هذه الفرضية على أرض الواقع، حيث دفع التدهور الاقتصادي المستمر خلال العقود القليلة الماضية، إلى رفع سن الزواج وانخفاض عدد الأطفال في الأسرة الواحدة في كلا الشعبين.
ولكن هذه النظرية على رغم منطقيتها في التحليل واعتمادها على إحصائيات تاريخية، يعارضها واقع المجتمعات البشرية في العصر الحديث. فمن المعروف أن الدول الأكثر فقرا حاليا حول العالم مثل بنجلادش والهند ودول أفريقيا جنوب الصحراء وغيرها الكثير، هي أعلى الدول في معدلات الإنجاب. بينما ترافق تراكم الثروة في الدول الغربية منذ بداية الثورة الصناعية وحتى الآن، مع انخفاض مستمر في معدلات الإنجاب بين شعوب تلك الدول، وهو الانخفاض الذي يحذر البعض من أنه قد يؤدي إلى انقراض تلك الشعوب بحلول القرن القادم. ولكن يعزو البعض هذا الانخفاض المستمر في معدلات الإنجاب بين الشعوب الغربية، إلى تدهور الخصوبة المستمر منذ عقود بين الرجال والنساء، بسبب التلوث البيئي والكيميائي وانخفاض نوعية الغذاء ونمط الحياة اليومية الحديثة. فحسب إحصائيات الجمعية الأميركية للطب الإنجابي، يوجد حوالى ستة ملايين أميركي يعانون من نوع أو آخر من العقم، وهو ما يعادل واحدا في كل عشرة أميركيين في سن الإنجاب، وتشكل النساء الأميركيات ثلث تلك الحالات، بينما يشكل الرجال الثلث الآخر، أما الثلث الأخير فهو حالات مشتركة بين الجنسين أو حالات غير معروف سببها بالتحديد. وفي بريطانيا وضمن فاعليات مؤتمر الجمعية البريطانية للعقم والذي عقد في شهر يناير الماضي، تقدمت مجموعة من الباحثين بنتائج دراسة أجريت على سبعة آلاف وخمسمائة رجل، وأظهرت انخفاض الخصوبة لدى الرجال البريطانيين بمقدار الثلث عما كانت عليه قبل أربعة عشر عاما. ففي دراسة أجريت عام 1989 كان متوسط عدد الحيوانات المنوية لدى الرجل يبلغ 87 مليونا في المليلتر الواحد من السائل المنوي، بينم