أذاعت الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا نص "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي ستطرحه على مجموعة الدول الصناعية الثماني. وبدأت مشاورات مع هذه الدول لضمها إلى مشروع "الشراكة"، ويفترض أن تتخذ دول المجموعة موقفاً موحداً منه خلال قمة الثماني في الولايات المتحدة في شهر يونيو المقبل. وقد قرأت بعناية شديدة نص هذا المشروع (نشرت ترجمته إلى العربية جريدة "الحياة" في 13 فبراير 2004).
تكونت لدي ملاحظات أساسية بعد القراءة الأولى الكلية لرسم ملامح المشروع الأساسية. وأول ملاحظة هي أن المشروع يهدف في الواقع إلى وضع الدول العربية بالذات تحت وصاية الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بالمعنى الفعلي لنظام الوصاية De Facto وإن لم يكن بالمعنى القانوني De Juri . وهذه الوصاية تتمثل في التخطيط الدقيق لمعالم التغيير الذي تريد الولايات المتحدة الأميركية تحقيقه في بنية المجتمعات العربية، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
ولا تقتصر المسألة على التخطيط فقط، ولكنها تتعدى ذلك إلى الإشراف الدقيق على التنفيذ في كل الميادين التي أشرنا إليها. وتتجاوز المسألة التخطيط والإشراف لأنها - أبعد من ذلك – تحرص على أن يتم ذلك من خلال الإدارة الأميركية والأوروبية مباشرة، وعن طريق التمويل المباشر من الدول الثماني.
ويؤكد هذه الحقائق أن المشروع الأميركي وهو بصدد الحديث عن مبادرة تطوير تدريس إدارة الأعمال يقرر أنه ينبغي على الدول الثماني "السعي إلى تحسين مستوى إدارة الأعمال في عموم المنطقة بإقامة الشراكات بين مدارس الأعمال في دول مجموعة الثماني والمعاهد التعليمية (الجامعات والمعاهد المخصصة) في المنطقة" وهو يعني إقامة معاهد مشتركة بين الدول الثماني ودول المنطقة. وهو حين يريد أن يضرب مثلا لهذه المعاهد يقرر بكل بساطة "النموذج لهذا النوع من المعاهد قد يكون معهد البحرين للمصارف والمال وهو مؤسسة بمدير أميركي ولها علاقة شراكة مع عدد من الجامعات الأميركية"! وكأن المثل الأعلى في التغيير المطلوب أن تتم حتى الإدارة بواسطة مديرين أميركيين، ضمانا لدقة التنفيذ وللرقابة على العناصر الوطنية التي قد تعرقل خطط التطوير الأميركية الأوروبية!
والملاحظة الثانية أن بنية التقرير الأساسية تقوم على أساس الأحكام والتقييمات التي وردت في تقريري التنمية الإنسانية العربية، لعامي 2002، 2003. ومن المعروف أن التقرير الأول والذي أحدث دوياً إعلامياً صاخباً وأصبح مرجعا لإدارة الرئيس بوش في مشروع الشراكة الأميركية – العربية الذي سبق لباول وزير الخارجية الأميركية أن أعلنه وخصص له 90 مليون دولار كان موضوعه "خلق الفرص للأجيال القادمة". أما التقرير الثاني الذي صدر عام 2003 فقد كان موضوعه "نحو إقامة مجتمع المعرفة".
ويمثل اعتماد المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير بشكل أساسي على تقريري التنمية الإنسانية العربية حيلة بارعة في الواقع! ذلك أن الخبراء الذين صاغوا المشروع أرادوا أن يوجهوا رسالة محددة للنخب والجماهير العربية مبناها أن الولايات المتحدة الأميركية لم تفعل سوى التصديق على كل الانتقادات العنيفة التي وجهها التقريران لمسيرة التنمية العربية، وتبني صياغة المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية كما حددها التقريران، ومحاولة الإسهام الأميركي الأوروبي في حلها، من خلال تمويل سخي يشمل كل الجوانب، وتحت إشراف دقيق من جانب سلطة الوصاية الدولية الجديدة على الشرق الأوسط الكبير!
والمنطق الذي استند إليه المشروع هو أن هذه التقارير التي وإن كتبت في إطار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إلا أن من قاموا بصياغتها هم بالكامل خبراء عرب، ولم يشاركهم في هذه المهمة أي خبير أجنبي. ومن ثم يمكن الزعم بأن هذه رؤى عربية خالصة، تنطلق من باب النقد الذاتي الذي يهدف إلى الإصلاح الشامل للنظام السياسي العربي والتطوير متعدد الأوجه للمجتمع العربي، ومن ثم فلا تثريب على الولايات المتحدة الأميركية إن هي تبنت هذه الرؤى والتمست حلولا متعددة للمشكلات التي أوردها التقريران، واستخدمت كل وسائل الضغط على النظم السياسية العربية المعنية لكي تنفذ كل توصية من التوصيات التي تضمنها مشروع الشرق الأوسط الكبير!
ومما يؤكد ملاحظاتنا السابقة أن نص المشروع الأميركي يبدأ مباشرة بهذه العبارات الدالة: "يمثل" الشرق الأوسط الكبير تحديا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي. وساهمت "النواقص" الثلاثة التي حددها الكتاب العربي لتقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002، 2003: "الحرية" و"المعرفة" و"تمكين النساء" في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الـ 8.
وهكذا قرن من صاغوا التقرير بين "النواقص" التي ركزت عليها تقارير التنمية الإنسانية العربية، وبين كونها بذاتها تمثل تهديدا للمصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثماني!
ويصح التساؤل هنا: ما العلاقة بين بعض المظاهر السلبية في المجتمعات العربية وبين تهديد المصالح ا