كما توقعنا، ها نحن نرى إدارة بوش، وهي تستجيب بطريقة تدعو إلى الانزعاج للغاية لقصور أجهزة الاستخبارات الأميركية، الذي أدى إلى شن الحرب على العراق بناء على معلومات غير دقيقة أو مغلوطة. طريقة الاستجابة التي توقعناها تلك هي القيام بتكوين لجنة تضم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مع التأكد أن تلك اللجنة تضم عددا قليلا- أو لا تضم أحدا على الإطلاق- من الأعضاء ذوي الخبرة في التعامل مع المعلومات والاستخبارات التي يقوم العملاء الموجودون في أرض العمليات بجمعها. ثم القيام بعد ذلك بإنفاق الأموال بشكل اعتباطي، والسعي في النهاية إلى التوصل إلى استنتاج مضلل مؤداه أن مشكلة ما عمرها 30 عاما قد تمت معالجتها بشكل سليم، وأنها ستختفي بقدرة قادر.
لثلاثة عقود ونيف، كان جمع المعلومات والاستخبارات البشرية غائبا إلى درجة مؤسفة، الأمر الذي جعل أميركا تستيقظ الآن لتجد نفسها مفتقرة إلى المعرفة الأساسية عن الثقافات الأجنبية، وإلى القدرة على التواصل معها لغويا بسهولة. إلى ذلك أدى عجز أميركا عن اختراق الخلايا الإرهابية، والدول المارقة، والمناطق الجيوبوليتيكية المنيعة إلى جعلها شبه صماء، شبه بكماء، وشبه عمياء في الأمور المتعلقة بالأمن القومي.
إن هذا الإهمال قد كبدنا خسائر فادحة في الأرواح العسكرية والمدنية، وما علينا سوى أن ننظر إلى ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، وإلى المذابح المتواصلة في العراق الآن كي ندرك معنى ما أقوله.
المشكلة في رأيي ترجع إلى تلك المسحة من الغطرسة والجهل البيروقراطي والسياسي التي ميزت أداء المسؤولين الأميركيين طويلا. فعلى عكس الرأي الذي يجد قبولا عاما لدى هؤلاء المسؤولين، فإن قيام إرهابي بعملية انتحارية، أو قيام شخص ما بعمل غير متوقع لا يجعل من يرتكبه معتوها فاقدا للعقل بالضرورة. ولنا في ذلك أن نرجع إلى التصريحات غير الناضجة التي أدلى بها بعض هؤلاء المسؤولين عن صدام حسين وأسامة بن لادن، بل وحتى كيم يونج إيل.
لعدة عقود كان الحصول على الاستخبارات البشرية وتحليلها يعهد به إلى مجموعة من الموظفين التافهين في الـ"سي آية إيه"، كانت يطلق عليهم على سبيل التحقير أسماء مثل "المخبولين"، أو "البلطجية". وكان الافتراض الضيق الأفق، والمبسط والمضلل، الذي يعمل على أساسه هؤلاء هو أن الحصول على معلومات جنسية خاصة بزعيم مجموعة إرهابية، أو رئيس دولة أجنبية، كان كافيا في حد ذاته لتدبر أمره، وبالتالي الحيلولة بينه وبين شن أية هجمات تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة. وكان من بين افتراضات الـ"سي آي إيه" الزائفة، أن كون زعيم معين "يبول في فراشه" يعتبر أمرا ذا صلة على نحو ما بالسياسة الخارجية الأميركية. ولم يكن الأمر كذلك.
وباعتباري اختصاصيا، شغل مناصب سياسية عليا في مجال إدارة الأزمات، ومقاومة الإرهاب في أربع إدارات أميركية، فإن استخدام ما كنت أستطيع الحصول عليه من ملامح سطحية تقدمها لي الـ"سي آي إيه" لي عن زعيم أجنبي، لم يكن يشكل سوى جزء ضئيل من عملية إعداد استراتيجية عملي العسكرية والمدنية بشكل عام.
للأسف الشديد، إن خلفيتي الدراسية في علم النفس، وخبرتي العملية المدنية والعسكرية، في مجال الاستخبارات المضادة، والعمليات النفسية، قد غابت عن الحكومة لما يزيد على عقد من الزمان تقريبا، ما أدى إلى عجز خطير في قدرة الاستخبارات على التنبؤ بالسلوك البشري، ومنع الأزمات من التفاقم.
للأسف الشديد مرة أخرى، فإن الوقت المتاح أمامنا محدود للغاية. وبالتالي فإننا لا نملك ترف الانتظار حتى نقوم بتكوين لجان، أو الاستعانة بمنظرين للإفتاء حول الأشكال المختلفة، التي يجب أن تكون عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي إيه، أو لتحديد ما هو الخطأ الذي حدث قبل الحادي عشر من سبتمبر، أو قبل غزو العراق. إن المطلوب الآن وفورا هو العمل والتنفيذ.
نريد أولا وقبل أي شيء، شخصا مسؤولا عن جمع الاستخبارات في المستوى الفيدرالي، مع تزويده بالسلطة الكافية التي تمكنه من تجاوز السياسات التي عفى عليها الدهر، والتغلب على البيروقراطيات المتحصنة في مواقعها. بالإضافة إلى ذلك فإن وزير الاستخبارات الأميركي في حاجة إلى إحداث تغيير شامل في ثقافة مجتمع الاستخبارات في أميركا، على أساس أن 90 في المئة مما هو مطلوب للعمليات في القرن الحادي والعشرين أصبح يوجد بالفعل في المصادر المتاحة مثل الصحف، والمجلات، والتلفزيون، والراديو، والإنترنت.
لقد ولى ذلك الزمان الذي كنا نحتاج فيه إلى رجال استخبارات على شاكلة رامبو، أو جيمس بوند. إن المهام المستقبلية ستكون فكرية أكثر منها بدنية، تحتاج إلى إتقان للتعامل مع الإنترنت، وإلى التدريب على الاستخبارات المدنية والعسكرية، ومعرفة الأسس النظرية والعملياتية التي تعمل بموجبها أجهزة الاستخبارات في دول مثل روسيا والصين، وإسرائيل، وبريطانيا، وفي طائفة من الدول الإسلامية.
وعلى من سيرغب في العمل في الاستخبارات أن يتمتع بالرغبة في للتحول إلى رجل ع