من بين كل الإحصائيات المتعلقة بـ"فيروس نقص المناعة البشرية"H.I.V ، و"متلازمة نقص المناعة المكتسبة" AIDS، فإن الأكثر أهمية وإثارة للصدمة منها هي تلك الإحصائية التي تقول إن 95 في المئة من المصابين بهذا المرض لا يعرفون أنهم حاملون لفيروسه الذي يعتبر أخطر فيروس في التاريخ، وإن عدم المعرفة تلك، تجعلهم يقومون بنشره دون قصد. والسبب الرئيس في ذلك هو أن فحوص الإيدز الروتينية لا يتم إجراؤها خلال تلك المدة الطويلة التي تقدر بثماني سنوات في المتوسط، والتي لا تبدو خلالها أية أعراض للمرض على حامله.
بعد أن عدت توا من زيارة إلى عدد من دول القارة الأفريقية، ضمن وفد برئاسة تومي تومسون، الأمين العام للخدمات الإنسانية والصحية، فإنني صرت أخشى أن أي مبلغ من المال مهما كان، بما في ذلك مبلغ 2,8 مليار دولار المقترح ضمن ميزانية الإدارة الأميركية العام الماضي، لن يكون كافيا للسيطرة على هذا المرض الخطير، ما لم نركز على العنصر الغائب في المعركة ضده، وهو الفحوص الدورية . وحتى في المناطق التي كنا قد تمكنا فيها من تحقيق تقدم في مجال الوقاية والعلاج، فإن نقص الفحوص الدورية ما فتئ يقوض التقدم العام الذي حققناه.
ولنأخذ حالة أوغندا على سبيل المثال، وهي دولة من ضمن الدول التي قمنا بزيارتها. فتحت القيادة الجديدة والجادة للرئيس يوري موسيفيني، تمكنت أوغندا من تسجيل المقياس الذهبي في الجهود الخاصة بمكافحة المرض، وذلك عندما قامت بخفض معدل الإصابة به من 21 في المئة إلى ستة في المئة خلال العقد الأخير، وهو إنجاز تبدو أهميته بشكل أكبر، عند مقارنته بالزيادة المرعبة في نسبة الإصابة بالمرض في الدول المجاورة لأوغندا.
لقد أصبح الرئيس موسيفيني مشهورا عن جدارة واستحقاق بسبب برنامجه لمكافحة الإيدز. والبرنامج الذي أطلق عليه A.B.C ، سهل الفهم، ويقوم ببراعة بسد الفجوة الاجتماعية والسياسية بين الليبراليين والمحافظين بشأن أفضل الوسائل اللازمة للتعامل مع الإيدز، ويعتبر أن الطريقة المثلى هي اتباع الطرق جميعها في آن واحد: فحرف A هو الحرف الأول من كلمة Abstinence، أي الامتناع ، وحرف B هو الحرف الأول من عبارة Be faithful، أي كن مخلصا، وحرف C يرمز لكلمة Condom أو العازل الواقي الذي يتم ارتداؤه عند ممارسة العلاقة الجنسية.
ولكن الإخلاص الزوجي وحده ليس كافيا بدون إجراء فحوص على نطاق واسع. فمعظم الناس يفترضون أن الزواج من امرأة واحدة، أو من رجل واحد، يعتبر وسيلة وقائية فعالة. في حين أن الحقيقة هي أن الأمر ليس كذلك.
فقد أظهرت البحوث الأخيرة أن عنصر الأمان الذي يوجد في مثل هذا النوع من العلاقات هو عنصر وهمي حتى بالنسبة للزوجين المخلصين لبعضهم بعضاً تماماً.
السبب في ذلك بسيط: أن فيروس نقص المناعة البشرية، يمكن أن يكون موجودا لدى أحد الشريكين، لمدة ثماني سنوات، وهي المدة التي لا تظهر فيها أعراض الإصابة بالمرض. ولذلك فإنه ما لم يتم فحص الزوجين قبل الزواج، فإن أحدهما سوف يقوم حتما بنقل الفيروس إلى الطرف الآخر، بل إلى أي أطفال قد يقومان بإنجابهما.
وفي منطقة "التورورو" في شرقي أوغندا، أخبرنا الباحثون الأميركيون التابعون لمراكز السيطرة على المرض والوقاية منه، أن 35 في المئة من المتزوجين الذين أجري عليهم فحص في إطار برنامجهم قد تبين أن أحدهم حامل للمرض والآخر غير حامل. وعلاوة على ذلك تبين أن 9 في المئة من الأطفال كانوا حاملين للفيروس وهو ما يعني أن أمهاتهم قد قمن بالتأكيد بنقله إليهم خلال فترة الحمل.
ما يمكن قوله ببساطة هو أن السياسات الحالية المتعقلة بالفحوص، والمطبقة من جانب الأمم المتحدة، ومن جانب الولايات المتحدة بغرض مقاومة هذا الوباء لا تحقق نجاحا. بل إن الحقيقة هي أن تلك السياسات تحتاج إلى إعادة نظر. فاسمها الرسمي"الاستشارة والفحص الطوعي" يمثل مشكلة في حد ذاته. ففي مختلف أنحاء أوغندا، وزامبيا، وكينيا، ورواندا، رأينا ملصقات تدعو الناس إلى الحصول على استشارة والقيام بفحص طوعي، دون أن يتم شرح ما الذي يعنيه ذلك بالضبط، ولا السبب في ضرورة إجراء ذلك الفحص.
بالإضافة إلى ذلك شاهدنا على الطبيعة شيئا لا يريد أحد أن يعترف به: وهو أنه لا أحد تقريبا يتم فحصه. ففي مستشفي واحد من بين كل 10 مستشفيات وعيادات قمنا بزيارتها، وجدنا أن الأطباء والممرضات ذاتهم لا يتم فحصهم. وطالما أن الأمر كذلك، فكيف يتسنى لهؤلاء أن ينصحوا مرضاهم بإجراء فحص طوعي، لم يخضعوا هم شخصيا له؟ . الإجابة ببساطة هي: أنهم لا يقومون بنصح مرضاهم بذلك. وبشكل عام يمكن القول إن الناس لا يقومون بـ"التطوع" حتى للقيام بالفحوصات العادية، دعك من الفحوصات الخاصة بالكشف عن مرض يحمل في طياته نوعا من الوصمة الاجتماعية الكبيرة، كما يحمل أيضا حكما بالإعدام.
على ضوء ذلك، يجب تغيير السياسات الدولية المطبقة في مجال فحص الإيدز، ليس فقط في أفريقيا ولكن أيضا في كل دولة من الدول المهددة بالمرض بما في ذلك الهند، والصين، وروسيا، ودول منط