يصطبغ المشهد العراقي اليوم باللون الأحمر. فالشعب العراقي أصبح مستهدفا، والضحايا عراقيون. حرب طائفية، فتاوى الجهاد ومشكلات يومية مستعصية. زمن الاحتلال أصبح أزماناً وإعادة الإعمار مؤجلة حتى استقرار عراق لن يستقر، أو لا يراد له أن يستقر. مأزق خطير، فلمصلحة من يصب عدم الاستقرار في العراق؟ وإن صغنا السؤال جغرافيا، هل لدول الجوار مصلحه باستقرار أم بعدم استقرار العراق، بتقسيم العراق أو انقسام العراق؟
من الواضح أن دول الجوار يقلقها الخوف من تقسيم العراق، فلخص البيان الختامي للاجتماع الوزاري لدول جوار العراق، بالإضافة إلى مصر والبحرين، مخاوف ومصالح هذه الدول بالعراق الجديد، فكان صيغة توفيقية لخلافات في الرؤية نفى القائمون عليه وجودها: إنهاء الاحتلال، السيادة، الدعوة إلى دور محوري للأمم المتحدة في العراق خلال مرحلة ما بعد الحرب بما في ذلك الإشراف على الانتخابات ونقل السلطة إلى العراقيين سريعا. كان هم العراق أمنيا بالدرجة الأولى، وأعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن بلاده اتفقت مع بعض دول الجوار على تشكيل لجان أمنية ثنائية لمراقبة عمليات التسلل ومكافحة المجموعات الإرهابية. فالهاجس الأمني حاضر وبقوة.
من يغتال مستقبل العراق؟ سؤال تثيره أخبار الموت القادمة من العراق، وعمليات القتل الجماعي تزداد ضراوة وكذلك التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة. عبثية المشهد العراقي تزداد مأساوية ودموية. فيوم العيد حولته عمليتان انتحاريتان استهدفتا مقري الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني إلى يوم كردي حزين آخر. ومن أربيل انتقل القتل المجاني جنوبا. الهجومان الانتحاريان يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، قتلا 100 شخص والمستهدف الرئيسي هو الأجهزة الأمنية المستقبلية للبلد. الهجومان بدآ متزامنين مع زيارة وفد من الأمم المتحدة يحاول التأكد مما إذا كان ممكنا إجراء انتخابات مبكرة، استجابة لمطلب المرجع الشيعي الأعلى، آية الله العظمى علي السيستاني، إذ بدأ شيعة العراق بالتحرك واستباق الأحداث، فكانت دعوة السيستاني للبحث في مدى إمكانية إجراء انتخابات عامة في العراق قبل حلول موعد تسليم السلطة في الثلاثين من يونيو المقبل. وكانت القوى الشيعية قد نظمت مظاهرات في مناطق نفوذها مطالبة بإجراء انتخابات مبكر. ويعتقد البعض أن ممثلي الشيعة يخشون أن يؤدي تطور الأحداث والترتيبات المقترحة إلى منحهم دورا لا يتناسب مع حجمهم الفعلي، فكان استباق الأحداث خطوة سياسية لوضعهم من جديد في الصورة، مما زاد من إرباك الوضع السياسي المرتبك أصلا في ظل الوضع الأمني المتردي. فكيف يمكن إجراء انتخابات في ظل عدم الاستقرار وأعمال التخريب والقتل اليومي ضد المؤسسات وقوات الأمن العراقية وقوات التحالف والمواطنين عامة؟ فببساطة الظروف العراقية غير مواتية لإجراء انتخابات مبكرة في الوقت الحاضر.
لعل أهم شروط إجراء الانتخابات يا شيعة العراق هو الأمن. وكذلك فإن إجراء انتخابات في العراق وحتى لو غضضنا النظر عن الأوضاع الأمنية المتردية يتطلب شروطا موضوعية لإنجاحها كتجيمع سجلات الناخبين وتحديد الدوائر الانتخابية وتنظيم الأحزاب السياسية لبرامجها. والتسرع قد يؤدي إلى الفشل حتى في تحقيق الحد الأدنى من التوافق الاجتماعي لإنجاح أية انتخابات عراقية قادمة. فالتجربة الديمقراطية في العراق لا تحتمل التجريب، فالفشل غير مطروح لكن المخاطر قائمة من التسرع. القضية هنا ليست مواعيد، وهذا لا يعني بالضرورة استمرار الأوضاع القائمة. والتساؤل هنا هو هل يصب التشدد في موضوع الانتخابات في مصلحة العراق الجديد؟ الطائفية لعبة خطيرة ورجال الدين والسياسة يتصارعون على حصص طائفية ومذهبية، وإذا كانت تركيبة مجلس الحكم المؤقت قد شهدت توزيعاً طائفياً كان متقبلا إلى حد ما فإن الاستمرار في تعزيز نظام الحصص الطائفية يعتبر أول معاول هدم المجتمع المدني المفترض بناؤه في العراق الجديد، فهل الانتماء للعراق أم لطوائف ومذاهب العراق؟ سؤال لابد من التوقف عنده لفهم مستقبل العراق.
الأمن أولوية عراقية الآن. فبدون أمن لا انتخابات ولا استقرار، ومع تصاعد وتيرة الهجمات وارتفاع عدد الضحايا يظل التساؤل عالقا: لمصلحة من هذا النزيف العراقي؟