إذا استثنينا إسرائيل وقطاعات واسعة من الرأي العام الأميركي المتأثرة بدعايتها أو الجاهلة بمجريات الأمور في منطقتنا، من الصعب الوقوع على شخص أو فئة لا تعلن تعاطفها الكبير مع سوريا في مواجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية المتواصلة التي تتعرض لها منذ احتلال العراق في ابريل الماضي. ولا ينبع هذا التعاطف من العداء لسياسة السيطرة الأميركية العالمية ولا من المخاطر التي تقود إليها سياسات اليمين الاسرائيلي التوسعية على السلام العالمي فحسب، ولكن أيضا وقبل ذلك من تأييد موقف الشعب السوري المتمسك بحقوقه في مواجهة التهديدات، وبالرغم منها. فالرأي العام الدولي وعلى رأسه الرأي العام العربي يعتقد أن إخضاع سوريا سوف يعني، في ما وراء نهاية الحقبة الوطنية العربية، تكريس السيطرة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية الجديدة في المشرق العربي وما تعنيه من إفلات تقرير مصير العرب من أيديهم ووضعه في يد الدول الأجنبية وبالتالي التهديد بخسارة عقود طويلة مقبلة من الضياع العربي والصراع داخل المجتمعات العربية لإعادة بناء الهوية والتوازنات الداخلية التي تسمح باستعادة الوحدة الداخلية والإرادة الذاتية وروح الحرية والاستقلال.
وفي إطار هذا التعاطف الدولي والعربي الواسع مع سوريا تغاضت قطاعات كبيرة من الرأي العام الرسمي والشعبي ولا تزال عن المشكلات الكبيرة التي تطرحها سياسات احتكار السلطة والاحتفاظ بنظام الحكم السياسي القائم والذي لا يختلف في نظرها كثيرا عن الأنظمة الشمولية الأخرى. وليس ذلك بالتأكيد من باب التعلق بهذا النموذج من الحكم ولا من باب المحبة لأولئك الذين يستفيدون منه ولكن في سبيل تجنب أي نزاعات سياسية داخلية يمكن أن تدفع نحو زعزعة الاستقرار وتشكل ثغرة تغري التحالف الاميركي الاسرائيلي بتوجيه المزيد من الضغوط والتهديدات لسوريا.
لكن في مقابل ذلك لم تظهر السلطات السورية أية حساسية خاصة تجاه ما يتطلبه الحفاظ على هذا الاستقرار وقطع الطريق على المناورات المعادية. ولم يستمر الجمود السياسي التقليدي، بما يعنيه من غياب أي حوار مع المجتمع وقواه المختلفة، السياسية أو المدنية أو الفكرية وانعدام أي مبادرات جدية لكسر مناخ الفرقة والقطيعة القائمة بين السلطة والرأي العام السوري فحسب. ولكن هذه السلطات سارت في الطريق المعاكس لما يقتضيه منطق التعاون الوطني من أجل الصمود في وجه التهديدات وسياسات الإخضاع والتركيع المذلة لسوريا والبلاد العربية معا. وبدل السعي إلى فتح الحوار في الداخل كما حصل في السعودية أو في مصر وفي العديد من البلدان العربية الأخرى لتعزيز التفاهم الداخلي وتمتين الموقف السوري في مواجهة الضغوط الخارجية اختارت السلطة سياسة على النقيض تماما، أعني التضييق المتزايد على الرأي العام الداخلي والتراجع عن النزر اليسير من التسامح الذي أبدته تجاه بعض المثقفين في التعبير عن آرائهم السياسية في الصحافة الأجنبية مع السعي بجميع الوسائل إلى التفاهم مع القوى الخارجية التي توجه لها التهديدات، أي السلام في الخارج والحرب في الداخل. وهكذا وضعت نفسها أيضا في موقف محير وغير مفهوم. فهي في الوقت الذي تستخدم فيه قفازات الحرير في تعاملها مع الأعداء الخارجيين تستخدم قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية والملاحقات الأمنية اليومية ضد المواطنين القلقين على مصير وطنهم والحريصين على أمنه وسلامته ورد الأذى عنه. وهي في الوقت الذي توسط فيه جميع الدول الصديقة وغير الصديقة لفتح المفاوضات مع إسرائيل لا تترك فرصة تفوتها من أجل إشعار الجمهور الواسع بدونيته وتجريده من أية قيمة أو كرامة أو اعتبار وإبراز أن مصيره معلق في قبضتها وأنه ملك لها تستطيع أن تفعل به ما تشاء متى تشاء.
هناك بالتأكيد خوف كبير من أن تقود الانفتاحات السياسية إلى تفجير أجواء من الحرية تصعب السيطرة عليها في ما بعد أو أن تتجاوز مقدرة أجهزة الأمن على ضبطها. وهو ما يمكن أن يخلق ظرفا يفرض على النظام، في ما بعد، القبول بشكل أو آخر من أشكال التعددية حتى لا نتحدث لا عن المشاركة ولا عن الديمقراطية. وجميع المتعاطفين مع سوريا وهم كثر، في أوساط الأنظمة والرأي العام معا، يأخذون هذا بالاعتبار ولا يؤمنون كثيرا بأن من الممكن الذهاب بعيدا في عملية التحويل الديمقراطي في سوريا والعالم العربي من دون إيجاد المناخ الملائم في الوقت نفسه لفتح مسار التنمية الاقتصادية وإيجاد حلول معقولة ومقبولة للنزاعات الإقليمية وفي مقدمها النزاع العربي الاسرائيلي ومأساة الشعب الفلسطيني اليومية. لكن في المقابل لا أحد يفهم ويقبل، وهو ما سمعته من العديد من الشخصيات الأجنبية والعربية التي دعمت ولا تزال تدعم سوريا والنظام السوري لتحقيق مشاريع الإصلاح التي تعتبر أنها أساسية لوقف المزيد من تدهور الأوضاع السورية والاقليمية معا ومواجهة حالة الفوضى والخراب العام، أقول لا أحد من هؤلاء يفهم أو يقبل أن يعني مفهوم الاستقرار والطمأنينة أو التغلب على الخوف وضع لوح من الجليد على الحياة الف