يباغتك البوم الصور الذي تذهب لتتفرج عليه في أحد مكاتب جلب الأيدي العاملة. شكل جديد للعبودية. استعراض لشكل الخادمة أو الأمة، عمرها الوهمي، مهاراتها تبنى من مغامراتها بين دول غنية بحثا عن رزق حلال.
البومات منوعة لجنسيات متعددة، ما عليك سوى أن تدفع مبلغا ماليا زهيدا لتحصل على عاملة خمسة نجوم تعرف كيف تنظف مكان إقامتك وكيف تسبغ لمساتها على طريقة كيّ ملابسك وتشاركك لقمة غدائك مهما كان نوعه أو رداءته أو لذة مذاقه.
لا يهم. اسمع إحداهن تعلق. "مساكين، راتبها أقل من سعر حذاء متواضع". تشبيه دقيق، بالغ الدقة. والغريب أننا نأتي بهم ونزج بهم وسطنا دون أن ننظر إلى خلفياتهم الثقافية وماذا يمكن أن يضيفوا أو يدمروا في حياتنا اليومية المعتادة.
والغريب أنهم يطالبون بتحرير المرأة. قمة المتناقضات؟ كيف تحرر إنسانا من عبودية الحاجة والعوز؟!
نلوم من؟
معطيات الحياة التي اضطرت المرأة للعمل وبالتالي منحت للغرباء فرصة في اقتناص هدوء منازلنا. أم المادة التي صارت هدفا وبالتالي ذهبنا نبحث عما نشتريه ونقايض عليه دون أي وعي بإنسانية هذا الذي نذله براتب لا يعني سوى مزيد من المهانة لآخر يحتاج حتى للدرهم الصغير.
وليس الأمر في هذا الشكل الذاهب نحو استغلال حاجة الآخرين، فنحن الذين نؤجر هؤلاء، نحتاجهم ويدركون هم هذا جيدا ونستمع بعدها لحكايات وقصص تفوق أساطير ألف ليلة وليلة في جنونها وهوسها باللامعقول.
والقانون لا يحمي سوى التاجر أو صاحب مكتب العبيد الجدد. فلا المخدوم أنصف ولا الخادم أنصف لأن كليهما قد وقعا في شرك تاجر الرقيق حين أعطى هذا لذاك وأخلى مسؤوليته بعد ذلك من كل شيء.
نسبة خدم المنازل تبلغ 30% من نسبة الأيدي العاملة في الدولة، رقم فلكي. هل يعني أن هناك خادماً لكل ثلاثة أشخاص أو يزيدون؟!
حديث غريب، كأنك تتحدث عن أحداث تجري في سالف العصر والأوان، وكأن الوقت الذي تعرض فيه بضاعة الأرواح لا يعني سوى مزيد من تكريس الفقر والحاجة لكلا الطرفين.
وبعد جديد يضاف، فالأطفال الذين تعلقوا بمربياتهم عوضا عن أمهاتهم اللاتي أنجبنهم اختصروا المسافة وأتقنوا معرفة الأدوار ولاعبيها الحقيقيين.
والحل؟
أزعم أنه التنظيم، واحترام الآدمي، لا شيء آخر. وتغيير أولويات ومفاهيم مغلوطة تبناها المجتمع وصدق أنها الأهم والأفضل حلا. ألا يكفي التاجر أن القانون قد أنصفه طويلا ويستحق الأمر اليوم إعادة نظر في كل شيء دون هذا الأسلوب الرخيص في عرض البشر - الذين كرمهم الله ووهبهم الآدمية -؟. هي مسألة ذات أذرع متشابكة وحلها بسيط، نحتاج لقانون يحمي الإنسان مهما كانت قيمته وما يمكنه أن يفعله.