ُأفاد أحد الخبراء بتكنولوجيا المعلومات في معرض تعليقه على التقرير الثاني للتنمية الإنسانية في العالم العربي، أن نظام التعليم يعمل على تربية الأطفال على الطاعة والخضوع دون الاهتمام بتنمية سمات أخرى تساعد على تطوير منظومة المعرفة العربية، مثل تطوير ملكة الفكر النقدي الحر. وقد تجاهل هذا الخبير أن الدولة والمجتمع والعائلة في العالم العربي، تعمل جميعها على خلق شخصية المواطن المطيع منذ الصغر من خلال الاستبداد. بدءاً من سلطة الأب في الأسرة إلى سلطة النظام السياسي لا يملك المواطن منذ لحظة وعيه بالأشياء حق الاعتراض أو التفكير الحر، لأن العقاب سيكون نصيبه سواء كان كفاً من الوالد أو عقوبة من السلطة بالغرامة أو الحبس. والإنسان الذي يفكر بشكل حر، ويرفض القيود من عادات وتقاليد بالية أو يرفض القيود الدينية مثلاً، يُعرف في المجتمع باعتباره الولد الضال، حيث نسمع مراراً وتكراراً عبارة "الله يهديه"!!
لكن لماذا يحرص نظام التعليم في العالم العربي على تعليم الطفل الطاعة؟ لأن الطاعة توفر على النظام السياسي الكثير من "صداع الرأس". ولذلك يتم ترسيخ وهم حاجة الإنسان الدائمة إلى الدولة التي توفر له العمل والعلم والطعام والشراب والأمن، في حين أن هذا كله واجب على الدولة وإلا فقدت مشروعيتها القانونية، و"حق" المواطن في أن يكون له نصيب من المال العام. الدولة دائماً متفضلة على المواطن، لماذا إذن لا يطيع ويصير ولدا طيبا "يسمع الكلام". كذلك هو الحال في تربية الأولاد حيث سلطة الأب، ومع المرأة حيث سلطة ولي الأمر. كل هذه الأمور تحدث لنا لسبب بسيط وهو أن الإنسان الفرد وكذات ليس له قيمة في تراثنا العربي والإسلامي. هذا التراث لا يتضمن مطلقاً كتاباً واحداً حول "الحرية" أو "المساواة"، بل ويقوم على التمييز الديني والاجتماعي. كما تنعدم جملة "حقوق الإنسان" وتغيب تماماً من هذا التراث أيضاً. ولولا الغرب الأوروبي لما تعاملنا مطلقاً مع حقوق الإنسان. فالإنسان العربي في التراث العربي والإسلامي دائماً مرتبط مع شيء ما يخلق له حالة التبعية. هو فلان ابن فلان أو ابن عائلة ما أو قبيلة، بدون هذه التبعية "يضيع" الإنسان في المجتمع العربي. ثم حين تقوم الدولة، يصبح المواطن مجرد كومة أوراق، فيزا إقامة، جواز سفر، وثيقة جنسية، شهادة ميلاد، وبدون هذه الكومة الورقية التي نسميها وثائق لا قيمة، بل لا وجود لذات الإنسان. ومن ثم تضيع كلمة حقوقه القانونية التي يفترض أنها حق خالص له كمواطن. لذلك من المهم جداً أن "نطيع" الوالد، وأن "نطيع" الدولة. وبدون هذه الطاعة لا مجال لحياة آمنة اجتماعياً وسياسياً، بدليل أن المجتمع العربي اليوم يحمل موقفاً سلبياً من الأطفال غير الشرعيين ويرفض التبني لتوفير حياة أسرية سعيدة لهم. وكذلك بدليل دوخة المواطن العربي الذي يعارض السلطة وينتقدها، هذا إذا لم يتم التعرض له أمنياً. والحل لكل هذه المشكلات أن يصير "خوش" ولد، يسمع الكلام، ويطيع التقاليد والأعراف والقوانين غير العادلة. ولهذا السبب "الطاعة" عند د. فؤاد زكريا، مرض عربي·.ولا مجال للشفاء من هذا المرض إلا بالتعليم الحر. التعليم الذي يتيح للإنسان منذ طفولته حق نقد ما هو قائم من خلال التفكير الحر·.لكن هيهات.