التغطية العامة لإصدار شركة أملاك للتمويل العقاري والتي انتهى الاكتتاب بها في نهاية الشهر الماضي، وبلغت حصيلتها 33 ضعفا عن المبلغ المطلوب تشير إلى عدة دلائل لا يمكن إغفالها بأية صورة من الصور، وذلك لما لهذه الدلائل من مؤشرات اقتصادية ذات أهمية بالغة.
لقد طلبت أملاك الاكتتاب بمبلغ 5ر412 مليون درهم، إلا أن إجمالي المبلغ المكتتب به في آخر يوم لعملية الاكتتاب وصل كما هو معروف إلى 6ر13 مليار درهم وهو ما يشكل 60% من حجم الموازنة السنوية الاتحادية أو 3ر5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة في عام 2003.
يحدث ذلك في الوقت الذي تسعى الكثير من أسواق المال في العالم إلى استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات بكافة أشكالها، مما يعني أن الأسواق المالية في دولة الامارات ودول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بفرص استثمارية واعدة.
ضمن الاستنتاجات الرئيسية التي يمكن تدوينها هنا والتي تمخضت عن عملية التغطية الكبيرة لإصدار شركة أملاك العقارية، يمكن الإشارة إلى الاستنتاجات التالية:
-تتوفر في أسواق دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي سيولة هائلة لا تجد القنوات الاستثمارية اللازمة في هذه البلدان، مما يدفعها للتوجه للخارج باحثة عن الفرص الاستثمارية المناسبة.
-هناك ثقة كبيرة بأسواق دولة الإمارات من قبل المستثمرين الخليجيين والوافدين المقيمين في الدولة، كما أن هناك امكانيات مهمة للاستفادة من مدخرات العاملين الأجانب إذا ما وفرنا لهم القنوات الاستثمارية المشجعة، مما سيؤدي إلى تنمية العديد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الدولة.
-يمتلك القطاع الخاص المحلي سيولة كبيرة تتيح له المساهمة بصورة أكبر في عملية التنمية الاقتصادية، وذلك إذا ما توفرت الظروف الملائمة لذلك، حيث تقتصر أنشطة القطاع الخاص في الوقت الحاضر على القطاعات الاقتصادية التقليدية، كالتجارة والعقارات.
هذه الصورة المختصرة للانعكاسات السابقة تتطلب اتخاذ العديد من الخطوات، وبالأخص سن بعض التشريعات الاقتصادية التي تتيح الاستفادة من الموارد المالية والسيولة النقدية الهائلة المتوفرة في المنطقة.
وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على التشريعات والقوانين الاقتصادية في بلدان المجلس، فإننا سنجد أن معظمها ينتمي إلى سنوات السبعينيات وبداية الثمانينيات، عندما كانت دول المجلس في بداية مرحلة الاستفادة من عوائد النفط لتهيئة بنيتها الأساسية اللازمة للبناء الاقتصادي، كما أن العلاقات الاقتصادية الدولية كانت مختلفة تماما عما هي عليه اليوم.
لذلك، فإن هناك حاليا نوعا من عدم التوافق بين القدرات الاستثمارية الهائلة، وبالأخص لدى القطاع الخاص الخليجي والبنية الأساسية المتطورة في دول المجلس من جهة، وبين التشريعات الاقتصادية التي تحد كثيرا من توظيف هذه القدرات في دول المجلس من جهة أخرى.
خلال السنوات العشر الأخيرة على سبيل المثال شهدت العلاقات الاقتصادية الدولية تغيرات جذرية، تمثلت في تحرير التجارة العالمية من الكثير من القيود وقامت معظم بلدان العالم بإجراء تغييرات شاملة على تشريعاتها وأنظمتها الاقتصادية، بما في ذلك البلدان المتقدمة، كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان، لتتناسب ومرحلة العولمة الاقتصادية وانفتاح الأسواق واشتداد حدة المنافسة بين مختلف البلدان، بما في ذلك التنافس لاجتذاب رؤوس الأموال والاستثمارات.
بدون هذه التغييرات التشريعية الاقتصادية، ستكون عملية استقطاب الاستثمارات الأجنبية لدول المنطقة محدودة للغاية، مع كل ما تحمله هذه الاستثمارات من تقنيات حديثة وتدريب للموارد البشرية المحلية، كما ستستمر تحويلات العاملين الأجانب للخارج لعدم وجود فرص استثمارية مناسبة في البلدان التي يعملون فيها.
هذا التطوير للتشريعات الاقتصادية ستكون له مردودات إيجابية على البيئة الاستثمارية، وبالتالي على النمو الاقتصادي بشكل عام في دول المجلس، فضلا عن أنه يتناسب والعلاقات الاقتصادية الدولية التي تسود العالم في الوقت الحاضر.