... التقدم الساحق الذي يحرزه المرشح لإنتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة جون كيري على منافسيه من الحزب الديمقراطي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وعلى إمتداد الولايات الأميركية ، يقلق بال المقيمين في البيت الأبيض، ويقض مضاجعهم، وقد لا يترك للإدارة الجمهورية الحالية برئاسة الرئيس جورج بوش ،التي تسعى للفوز بولاية ثانية، فرصة للإلتفات والإنشغال بقضايا دولية سواء كانت ساخنة أم خامدة ، بينما يقترب منافس قوي من سدة الرئاسة والمكتب البيضاوي، مما يعني عمليا الدخول في مرحلة بيات سياسي في الساحة الدولية، وتدشين موسم آخر من مواسم الانتظار المتعاقبة على الطوابير الطويلة من المنتظرين، وما أكثرهم، على أبواب البيت الأبيض،الذي أصبح يمسك بمفاتيح السياسة الدولية من غير منافس يعتد به أو يؤبه له ·
... إن القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين، ليست بمنأى عن ذلك البيات، فقد وضعت بالفعل على رف الانتظار، وترك زمامها وقياد أمرها لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون ليتوه بها عبر الدروب المظلمة والمرعبة إلى مفازات مهلكة ،وخاصة بعد تملص وتنصل الإدارة الأميركية الحالية وعن طيبة خاطر من خريطة الطريق التي رسمتها بيديها لا بأيدي غيرها، فوضعت بذلك القضية برمتها في يد غير مسؤولة قطعا، وإنما طامعة وملوثة بدماء الابرياء والعزل من أبناء الشعب الفلسطيني ، وهي بهذا لا تختلف عن سابقاتها من الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تمارس لعبة الإنتظار المملة بالنسبة لقضية هي أم قضايا الشرق الأوسط والعالمين العربي والاسلامي ، ومحور حلول للكثير من القضايا ذات الصلة ·
ولا شك في أن تعاقب مواسم الإنتظار لحدث ما في عواصم الفعل الإقليمي والدولي ، أو تحول ما في سياسة بلد ما ، أو رحيل أو بقاء رئيس ما ، قد أصبح قاعدة رئيسية في السياسة العربية، التي استعذبت السهل ، واستوطأت مركب العجز، وتركت الأمور تجري على عواهنها من دون تحرك أو تدخل فاعل يعيدها إلى نصابها ويوجهها إلى غاياتها المبتغاة ،حتى أضحى هذا النهج هو القاعدة في كل شيء ، وأمسى خلافه هو الإستثناء في كل شيء· وبالتأكيد فإن ظل الحال على ما هو عليه، فإن طوابير المنتظرين لن تزيد إلا طولا ، وقوائم الانتظار إلا إتساعا ،ومراتب الأولويات إلا تراجعا .