تتصاعد الأوضاع سريعا باتجاه ذروتها في العراق. ذلك أن في علم الإرهابيين أنهم إذا ما تمكنوا من إثارة حالة من الفوضى العامة في البلاد، وقدر لهم قتل عدد كبير من العراقيين المصطفّين للالتحاق بقوات الشرطة الوطنية، فإنه سيكون لهم ما أرادوا من منع الأمم المتحدة من بلورة خطة واضحة لإجراء العملية الانتخابية هناك، فضلا عن نقل السلطة إلى حكومة عراقية ثابتة ومستقرة. فما أن تنتقل السلطة إلى أيدي العراقيين، حتى يواجه البعثيون والإسلاميون بمأزق حقيقي، إذ لن يكون لهم حتى مجرد حق الادعاء بأنهم يقاتلون الأميركيين. عندها ستتكشف حقيقتهم، ويفتضح أمرهم في العالمين العربي والإسلامي، عندما يدرك الجميع أنهم إنما يقاتلون في واقع الأمر، ضد حرية العراق واستقلاله، كما يقاتلون تحقيقا لمآربهم وهوسهم الأيديولوجي. ولهذا السبب، فإنهم يستميتون في الحيلولة دون وصولنا إلى تلك المرحلة. والاستراتيجية التي يلعب عليها البعثيون والإسلاميون هي: زرع الفوضى العامة في البلاد، وإلحاق الهزيمة بالرئيس جورج بوش، آملين في أن يسحب الرئيس الديمقراطي الذي سيخلفه القوات الأميركية الموجودة حاليا في العراق. وعليه، فإن أهم تصريح أميركي يجب أن يصدر الآن حول الوجود العسكري في العراق، لا يأتي من الرئيس الحالي بوش، وإنما من جون كيري، المرشح الديمقراطي الأكثر ترجيحا لأن يخلف بوش.
ولك أن تتخيل أن الصحفي تيم روزيت قد أعقب لقاءه الصحفي الممتاز الذي أجراه مع الرئيس بوش، بلقاء آخر مع المرشح الديمقراطي جون كيري. فيما يلي أرسم سيناريو المطلوب من ذلك الحوار.
السيد روزيت: حضرة السيناتور كيري، كنت أنت من الذين صوتوا لصالح شن الحرب على العراق. غير أنك قلت إن الطريقة التي أدارت بها إدارة بوش الحرب وما بعدها، كانت سيئة ورديئة إلى حد كبير. وعلى أية حال فها نحن هناك في العراق الآن. فهل لك أن تحدث الشعب الأميركي عن الكيفية التي ستقود بها عملية تقدم العراق على خطى الديمقراطية والاستقرار؟ وأتخيل أن يكون رد السيناتور كيري كالآتي: عزيزي تيم، قبل أن أجيب على سؤالك هذا، دعني أوجه رسالة واضحة ومباشرة لأولئك البعثيين والإسلاميين الفاشيين، المستبسلين حتى الموت في سفك دماء العراقيين ومنعهم من بناء أول تجربة ديمقراطية لهم، بعد كل هذه الحقب الطويلة.
وهذه هي رسالتي للإرهابيين: انظروا إلي، واستمعوا جيدا لما أقوله: لو قدر لي أن أكون رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، فإني لن أحزم حقائبي عند هذا الحد وأرحل من العراق، موليا الأدبار. لن أفعل ما فعله رونالد ريجان بفراره السابق من لبنان، ولن أسحب جنودي الموجودين في العراق على تلك الشاكلة. فبسبب ذلك الفرار المخزي أمام الإرهاب في لبنان عام 1984 انحدرنا نحن هنا إلى هذا الوحل. فقد ظن الإرهابيون بسببه- الهروب- أنهم فيما لو وجهوا لنا ضربة موجعة ومؤذية حقا، فإننا سنفر، ويفوزون هم بالغنيمة كلها والإياب! صحيح أنني أبغض من أعماق أعماقي الطريقة التي أدار بها الرئيس بوش هذه الحرب. وأعلم أن بوسعي أن أفعل أفضل مما فعل هو. غير أنني أريد لكل إرهابي انتحاري- من جزيرة بالي وحتى بغداد- أن يدرك شيئا واحدا فحسب، عن إدارة الرئيس كيري: إن في وسعكم الاستمرار في تفجير أنفسكم كيفما شئتم حتى نهاية العام الحالي، غير أننا سنظل في بغداد، لن نبرحها شبرا واحدا. ستموتون أنتم، ولكننا سنبقى هناك، على رغم موتكم وأنفكم. فأي جزء من هذه الجملة، أشكل عليكم فهمه؟
إنني لا أقول هذا على نحو تعسفي، يا عزيزي تيم. فأنا لست من طينة الرئيس بوش. بل أقول ما أقول لكونه أفضل طريقة لحماية أرواح الأميركيين والعراقيين على حد سواء. أقول ذلك يا عزيزي لكوني أبدي كثيرا من الانحياز الشخصي لأخواتي وإخوتي الأميركيين الذين يرتدون زي بلادهم العسكري في العراق. فما أنا سوى واحد منهم وإن كنت مدنيا. وما من سبيل لتعريض أرواحهم للخطر، أكثر من أن ألمح للإرهابيين أن الفرق ما بيني وبوش، هو الفرق عينه ما بين الليل والنهار. أي أن تكون الرسالة هي: إن لم يكن بوش ليهرب أمامكم، فأنا لها وسأفعل. صحيح أن هناك فرقا بيني وبوش، غير أنه لا يوجد أدنى فارق البتة في الغايات. فمما يهم إدارة كيري أن ترى العراقيين وهم يستغلون الفرصة سانحة لبناء نظامهم الديمقراطي النيابي المستقل.
بيد أن هناك فارقا لا شك، في الوسائل والأدوات. فلو قدر لي يا عزيزي تيم، أن أكون رئيسا لأميركا، فسألِحّ على أن تكون لنا سياسة حقيقية معنية بالحفاظ على الطاقة، يتم بموجبها تسجيل كل أميركي وحشده لهذه الحرب. كما أني سأدعو على الفور قادة كل من ألمانيا والأمم المتحدة وحلف "الناتو" للانضمام إلى كامب ديفيد، ذلك التحالف الذي فاز بالحرب الباردة فيما مضى. وبذلك تكون لنا قوة البقاء التي تمكننا من الفوز بحرب الأفكار هذه، هنا في قلب العالم الإسلامي. وسوف يكون لي وزير خارجيتي الذي لن تنقطع زياراته المنتظمة لمنطقة الشرق الأوسط. على أن تكون المهمة الرئيسية لهذا الوزير هي الدفاع عن ال