الأمير تشارلز: هل هرب من الضغط الداخلي إلى العالم الاسلامي؟


جولاته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط تحمل دلالات كثيرة. الخارجية البريطانية وظفت ولعه بالتاريخ الإسلامي والحضارات القديمة في القيام بمهام دبلوماسية تحمل درجة عالية من الرمزية وهو سيناريو انتهجته لندن من قبل حيث أرسلته عام 1996 في مهام مشابهة إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق شملت تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان. إنه ولي العهد البريطاني تشارلز فيليب آرثر جورج أمير ويلز وأكبر أبناء الملكة إليزابيث الثانية، وهو من مواليد 14 نوفمبر 1948 تلقى تعليمه الأساسي في "تشيم سكوول" باسكوتلاندا وفي عام 1966 توجه إلى مدينة ميلبرون الأسترالية للدراسة فيها ليكون بذلك أول عضو في العائلة المالكة البريطانية يقوم بالدراسة فى إحدى دول الكومونولث. بين عامي 1967 و1970 درس التاريخ والآثار وعلم الأجناس في جامعة كامبردج. وتخرج عام 1970 من كامبردج وحصل في العام ذاته على عضوية مجلس اللوردات. تزوج الأميرة ديانا سبنسر عام 1981 وأنجب منها ولدين هما الأمير ويليام والأمير هاري وانفصل عنها في 28 أغسطس 1996.


ولاشك أن جولات أمير ويلز الخارجية الأخيرة التي شملت إيران والعراق والسعودية تحمل معها دلالات سياسية مهمة، فالزيارة التي قام بها يوم الإثنين الماضي إلى مدينة "بام" الإيرانية التي دمرها الزلزال في ديسمبر الماضي هي الأولى من نوعها لأمير بريطاني منذ 33 عاماً. زيارة تشارلز إلى "بام" وصفت بأنها تدخل في إطار عمله كرئيس لهيئة الصليب الأحمر البريطانية. أما توقيت الزيارة الذي يتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين للثورة الإسلامية، ومع احتدام الجدل بين الاصلاحيين والمحافظين في البرلمان الإيراني، كذلك لقاء الأمير بالرئيس خاتمي، فكلها مظاهر تضفي نكهة سياسية خاصة على زيارة تشارلز وتجعلها تندرج ضمن "دبلوماسية الحوار البنّاء"، التي تنتهجها بريطانيا- ومعها فرنسا وألمانيا- المتمثلة في تشجيع التعاون مع طهران، وهي سياسة تختلف كثيراً عن سياسات الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية. غير أن بعض المحللين البريطانيين يرون في زيارة تشارلز لإيران مصادقة على نظام ينتهك، حقوق الإنسان والحريات العامة.


أما زيارته السرية والسريعة إلى البصرة فتأتي لرفع معنويات الجنود البريطانيين المتمركزين في جنوب العراق والبالغ عددهم تسعة آلاف جندي وهي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها أحد أفراد العائلة البريطانية المالكة سيما بعد الحرب على العراق. الملفت أن تشارلز التقى بعض رموز الشيعة في البصرة قبل توجهه إلى إيران ما يعني أن أمير ويلز يسعى إلى مغازلة الجمهورية الإسلامية التي يعتبرها شيعة العراق نموذجاً لهم وفي الوقت ذاته يحاول كسب ثقة شيعة العراق الذين التقاهم قبيل توجهه إلى "بام" الإيرانية. ولكونه يتمتع بعلاقات جيدة مع الأسرة المالكة في السعودية، فإن زيارته الأخيرة إلى الرياض يفسرها المحللون السياسيون بأنها وسيلة لدفع العلاقات بين الرياض ولندن إلى مزيد من التحسن خصوصاً بعد أن توترت العلاقات بين الجانبين نتيجة قيام السلطات السعودية باعتقال بريطانيين لتورطهم في الاتجار بالكحوليات، كما تعكس الزيارة تضامن بريطانيا مع السعودية ضد موجة الإرهاب التي تعرضت لها المملكة خلال الشهور الماضية.


لكن هل يمكن تفسير جولات تشارلز الخارجية الأخيرة التي شملت العراق وإيران والسعودية بأنها هروب من القضايا التي يواجهها أمير ويلز داخل بريطانيا؟ ربما يكون هذا التفسير صحيحاً سيما وأن تشارلز قد تم استجوابه خلال الشهر الماضي في قضية مصرع الأميرة ديانا سبنسر التي قضت في 31 أغسطس عام 1997 إثر حادث اصطدام في العاصمة الفرنسية باريس. ففي السادس من يناير الماضي نشرت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية واسعة الانتشار رسالة كتبتها الاميرة ديانا جاء فيها أنها تشتبه بأن زوجها الأمير تشارلز بيّت النية لقتلها كي يتسنى له الزواج من صديقته كاميلا باركر بولز. كما تعرض الأمير تشارلز لضغوط من الصحافة البريطانية خلال الشهور الماضية بعد أن استقال أحد كبار مساعديه وسط ادعاءات تشير إلى حدوث تجاوزات مالية وانتهاكات جنسية في قصر ولي العهد البريطاني.


وكان تشارلز المعروف بولعه بالحلوى اهتم خلال السنوات الأخيرة بالتخفيف من إحساس مسلمي بريطانيا بأنهم يتعرضون لموجة عداء واضحة بعد أحداث 11 سبتمبر. فهو يرى أن البريطانيين بحاجة الآن إلى الاطلاع على الإسلام أكثر من أي وقت مضى. تشارلز أشاد بجهود المسلمين في نشر الحضارة في العالم وفي معرض مدحه لجهود العلماء المسلمين تساءل: هل كان لكريستوفر كولومبس أن يكتشف العالم الجديد لولا استعانته بخبرة الملاحين المسلمين؟ وقال: إن الحضور الإسلامي في الهيئات الأكاديمية والمؤسسات العامة في بريطانيا أمر يدعو إلى الزهو. والمتابع لأحاديث ولقاءات تشارلز يخرج بتيجة مفادها أنه متسامح ومؤمن بتع