ربما لم يكن المجتمع قد تهيأ بعد لذلك اليوم الذي تتم فيه إعادة تدوير وجه شخص ميت، كي يكون وجها لشخص حي يعيش بيننا. ومهما يكن شعورنا، فإن ذلك اليوم قادم لا محالة. ومن شأن عمليات جراحية تجميلية كهذه، أن تعطي أملا جديدا لأولئك الذين ألحقت الحروق والحوادث المرورية وأمراض السرطان وغيرها، أضرارا فادحة بوجوههم، وتحول بعضهم إلى شخصيات معقدة ومنطوية على نفسها بسبب القبح والتشوهات. وفيما لو تم ذلك، فإن هؤلاء الأفراد سيكون في وسعهم العيش كأشخاص طبيعيين بعد تحررهم من العيون التي تحدق فيهم، والصدمات النفسية التي يتلقونها كل يوم من أفراد المجتمع الأصحاء المعافين. تأكيدا لمصداقية أن هذا النوع من الجراحة التجميلية قد بات قاب قوسين أو أدنى، قال فريق طبي من جامعة لويسفيل في ولاية كنتاكي، إنه بصدد اختيار متبرع لإجراء أول عملية من هذا النوع في غضون مدة أقصاها عام من الآن. يذكر أن هذا الفريق الطبي نفسه، كان قد سبق له أن أجرى أول عملية لزراعة اليد في الولايات المتحدة الأميركية، وثاني عملية من نوعها على المستوى العالمي في عام 1999. وعلى العموم فإن هناك اتفاقا عاما في أوساط الجراحين على أن إجراء عمليات زراعة الوجه، ليست سوى مسألة زمن لا أكثر.
أما الخبرات الطبية الفنية اللازمة لإجرائها، فهي راسخة ومتوفرة منذ وقت طويل. ذلك أن زراعة الأعضاء، ونقلها من شخص إلى آخر، أصبحت من العمليات الروتينية في مجال الطب. وقد شملت هذه الممارسة، زراعة الأطراف الطبيعية واستعارتها. ومن فرط تكرارها، حتى أنها لم تعد تثير دهشة الجمهور ولا استغرابه.
غير أن زراعة عضو داخلي مثل الكبد أو الكلى وما إليهما، بل وحتى زراعة عضو خارجي مثل اليد، أمر يختلف تماما عن شيء آخر مثل زراعة وجه لمريض ما. وهذا هو ما يفكر في تحقيقه جراحو التجميل حاليا، ويعترف به الفريق الطبي المشار إليه آنفا. فالوجه هو الجزء الأكثر تعبيرا عن هوية الإنسان وشخصيته. وهو كذلك مفتاح تفكيرنا حول شخصيتنا، فضلا عن كونه الجزء الذي يتعرف عبره الآخرون علينا. فلنا أن نتخيل أن وجه أحدنا قد تغير تغييرا جذريا ذات يوم! هنا ينقلب أدب الخيال العلمي إلى واقع لأول مرة، وهنا قد يتردد الناس ويتراجعون إلى حد، ربما يهدد بانحسار الدعم الاجتماعي اللازم لمثل هذا النوع من الجراحات.
ذلك هو ما حدث بالفعل في بريطانيا، حيث حال تردد الجمهور ومخاوفهم، عن تحقيق حلم جراحي التجميل البريطانيين باليوم الذي يجرون فيه عمليات زراعة الوجوه. اعتبارا بتلك التجربة، وإدراكا منهم للطبيعة الحساسة لمثل هذا النوع من الجراحات، يعتزم فريق الجراحين هنا في كنتاكي انتهاج طريق مختلفة لتجربتهم هذه. وقد شرعوا الآن في دراسة وتحليل كل الحجج والآراء المثارة مع وضد هذه العمليات. واعتمدوا على ما هو متوفر من دراسات ومسوح اجتماعية، علاوة على دراساتهم هم، بغية دراسة ردود الفعل الاجتماعية المتوقعة عند البدء بتنفيذ تجربتهم. وسوف يكون من حسن حظ التجربة لو كانت ردود الفعل إزاءها إيجابية ومؤيدة. أما إذا جاءت ردود الفعل معادية وعلى درجة كبيرة من السلبية، فإن ذلك لن يمنع من البدء في التجربة، لأنها ستحفّز الجمهور- بمرور الزمن- على تغيير سلوكهم العدواني أو السلبي، بحيث ينظرون إلى التجربة على أنها واقع يمكن قبوله والتكيف معه نفسيا.
من الناحية الفنية الطبية البحتة، كان ممكنا البدء في تجارب زراعة الوجه منذ نحو عشر سنوات على الأقل، على حد تعبير الدكتور جون باركر، مدير"مجموعة البحوث الجراحية" في أميركا. ومضى الدكتور باركر مضيفا أن النتائج الأولية لدراسات الجانب الأخلاقي لهذا النوع من الجراحات، تشير إلى أن الوقت قد حان كي تتحول الأحلام إلى واقع. والآن تعكف المجموعة نفسها على البحث عن المرشحين المحتملين لإجراء أولى التجارب عليهم. يجدر بالذكر أن هناك مجموعة جراحين هولنديين تشارك المجموعة الأميركية في جهودها هذه. وفي الاتجاه ذاته، هناك مجموعة أخرى لجراحين فرنسيين، تساورها ذات الرغبة أيضا وتسعى لتحقيقها.
على أن الجانب الأخلاقي المتعلق بمدى استعداد الجمهور لتقبل التجربة، لا يمثل العقبة الوحيدة أمامها بأي حال. فهناك عدد لا يستهان به من الأطباء والجراحين، يبدون شكوكهم حول مدى الضرورة الطبية لإجراء جراحات وعمليات من هذا النوع من الأساس. ومما يثيره هؤلاء الأطباء من تساؤلات وشكوك، ما إذا كانت المكاسب الصحية والطبية التي يجنيها متلقو هذا النوع من الجراحة، ستفوق المخاطر الجراحية التي سيتعرضون لها خلال العملية. كما أن المريض الذي يوافق على إجراء الجراحة له، سيكون بحاجة إلى تلقي أنواع قوية من العلاجات مدى حياته، كي لا ترفض خلايا جسمه الوجه الجديد المزروع. ومن المخاطر التي لا بد من وضعها في الاعتبار، أن تفشل عملية الزراعة نفسها. وفيما لو حدث ذلك، فعلى المرء أن يتصور مدى التعقيدات النفسية والصحية التي سيواجهها جراء التحول الذي حدث لهويته وشخصيته، حتى وإن كانت هذه الهوية وجها شائها حولت