يتصور "ميركوري كاناتزيديس" أنه قد غدا بإمكاننا عما قريب إنتاج ثلاجة لا تحتاج إلى صيانة وإصلاح. وهي ثلاجة ستؤدي في حالة ظهورها-كما يقول- إلى انتفاء الحاجة إلى فنيي إصلاح وصيانة الثلاجات، وخروجهم نهائيا من سوق العمل.
وعندما يتم إنتاج مثل تلك الثلاجات فإن "الكومبرسورات" المزعجة سوف تصبح شيئا من الماضي، وهو ما سينطبق أيضا على محاليل التبريد المستخدمة حاليا، والمشكوك في قيامها بتلويث البيئة. كما ستختفي أيضا كتل الغبار التي تتجمع تحت ملفات التبريد Cooling coils في الأنواع المستخدمة حاليا من الثلاجات. وكما يقول "كاناتزيديس" أستاذ الكيمياء في جامعة ولاية ميتشيجان، فإن الثلاجات الجديدة ستعتمد كليا على الكهرباء السارية عبر أشباه موصلات Semiconductors مصممة بشكل خاص بغرض المحافظة على برودة الجزء الداخلي من الثلاجة. وسوف يكون من الممكن- كما يقول- استخدام أشباه الموصلات تلك، في تحويل الفاقد الحراري الموجود في أنابيب العادم الخاصة بالسيارات، أو في مداخن محطات القوى الكهربائية، أو في غيرهما من معدات تصريف العادم، إلى مصدر ثمين للطاقة.
والمشكلة التي تواجه العلماء حتى الآن فيما يتعلق بتصنيع تلك النوعية من الثلاجات، تتمثل في صعوبة تطوير أشباه موصلات كبيرة الحجم نسبيا، تتوافر فيها المواصفات اللازمة لتحويل هذه الآمال من شكلها النظري، إلى معدات وأجهزة رخيصة التكلفة وقادرة على تحقيق الغرض المطلوب.
في الآونة الأخيرة اكتشف الدكتور كاناتزيديس وزملاؤه وصفة لتصنيع أشباه موصلات، يبدو أنها قادرة على تقريب هذه الآمال من عالم الحقيقة. تتمثل هذه الوصفة في مادة تتكون من مزيج من الفضة، والرصاص، والأنتيمون "حجر الكحل" والتيليوريوم (مادة ذات لون فضي فاتح شبه معدنية تستخدم في صناعة السبائك وأشباه الموصلات). وهذه المادة تعتبر أكثر المواد التي تم التوصل إليها حتى الآن من حيث قدرتها على تحمل درجات الحرارة العالية. بكلمات أخرى، فإن تلك المادة تبدو أكثر كفاءة من غيرها من المواد المشابهة المعروفة من ناحية القدرة على تحويل الحرارة إلى كهرباء.
وفي الحقيقة أن ما تتمتع به هذه المادة من مواصفات سوف يجعلها، حسبما يقول العلماء، قادرة على الدخول في منافسة حادة مع التقنيات المستخدمة حاليا سواء في مجال توليد الطاقة، أو في مجال التبريد.
ولا يرجع هذا إلى كفاءة تلك المادة الكبيرة، ولكنه يرجع في المقام الأول إلى الطريقة التي يتفاعل بها كل من الأنتيمون والفضة الموجودين بها، والتي يمكنها توفير قدرة هائلة على احتمال الحرارة، بالنسبة للمعدات والأجهزة فائقة الصغر. ومثل هذه الخاصية "مشجعة" كما يقول "أرون ماجومدار" المهندس الميكانيكي بجامعة كولومبيا في بيركلي، والمتخصص في تحويل الطاقة على مقاييس بالغة الصغر. ويضيف "ماجومدار" قائلا إن تقنيات التسخين والتبريد، التي تستخدم مواد فائقة الصغر ذات قدرة احتمال حراري هائلة، سوف تساهم في تقليل التكلفة الناتجة عن استخدام التقنيات التقليدية في هذا المجال.
بالنسبة لجميع الأساليب عالية التقنية المستخدمة في تكوين وتشكيل المواد، فإن المبدأ المستخدم فيها غاية في البساطة كما يقول الباحثون. يعتمد هذا المبدأ على توصيل سلكين من مادتين مختلفتين ، وتشغيل تيار كهربائي، مما ينتج عنه تسخين أحد السلكين، وتبريد الآخر. وإذا ما تم توصيل طرف كل سلك بطرفه الآخر بحيث يكوّن دائرة مغلقة، ثم القيام بعد ذلك بإخضاع طرف من تلك الدائرة إلى درجة حرارة أعلى، أو أقل من الطرف الآخر فإن تيارا كهربائيا سوف يسري عند ذلك عبر تلك الدائرة. وهذه الخصائص تم الكشف عنها في البداية القرن التاسع عشر كما يقول كاناتزيديس، وظلت موضعا للدهشة والفضول حتى الفترة الواقعة ما بين عقدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم اكتشاف أشباه الموصلات، التي تحتوي على ذات الخصائص الحرارية- الكهربائية الموجودة في الموصِّلات التقليدية.
وفي الحقيقة أن الباحثين فكروا في البداية في استخدام أشباه الموصلات في عمليات توليد الكهرباء، والتبريد الحراري الكهربائي على نطاق واسع. ولكن الذي حدث حتى الآن، هو أن المواد التي يتم فيها استخدام أشباه الموصلات، قد اقتصرت على مجالات متخصصة مثل توفير الطاقة للسفن الفضائية، أو للمواقع الموجودة في المناطق النائية البعيدة عن العمران.
وعلى رغم أن التجربة العملية قد أثبتت في البداية أن الآمال المتعلقة بإمكانية استخدام هذه المواد على نطاق واسع صعبة التحقيق إلى حد كبير. إلا أن تلك الآمال قد حصلت على قوة زخم جديدة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما اكتشف الباحثون أن أداء تلك المادة يتزايد عندما ينكمش حجمها.
وبناء على هذا الاكتشاف قام العلماء باستنباط أدوات تستخدم شرائح رقيقة للغاية من المادة.
أما بالنسبة للمستهلكين فإن ذلك التطور قد أفاد في ظهور المبردات المصنوعة من البلاستيك، والتي يتم استخدامها في الرحلات للمحافظة على برودة المرطبات، ويتم تش