بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي وانحلال حلف وارسو، جرى تصعيد متعمد للعدوانية الغربية ضد الإسلام، حتى أن مدير معهد بروكنغز في واشنطن Brookings Institution هيلموت سوننفيل Helmut Sonnenfeldt يقول: إن حلف شمال الأطلسي سوف يعيش، وإن الغرب سيبقى مجموعة دول لها قيم أساسية مشتركة وستبقى هذه المجموعة متماسكة معا من خلال الشعور بخطر خارجي: الموقف من الفوضى والتطرف الاسلامي ".
وفي ربيع 1990 ألقى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق خطابا أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الدولية، قال فيه: "إن الجبهة الجديدة التي يتحتم على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الاسلامي، باعتبار هذا العالم هو العدو الجديد للغرب". وإن حلف الاطلسي باق، على رغم انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب في أوروبا، ذلك أن "أكثر الأخطار المهدِدة للغرب في السنوات القادمة آتية من خارج أوروبا. وفي نهاية التسعينيات فان أخطر التحديات للغرب ستأتي من ناحيتي الجنوب (أي المغرب العربي) والشرق الأوسط ".
وفي عام 1990 أعلن الأمين العام لحلف شمال الاطلسي ولي كلايس (تولى منصب وزير الاقتصاد في بلجيكا فيما بعد): "لقد حان الوقت الذي يجب علينا فيه أن نتخلى عن خلافاتنا وخصوماتنا السابقة وأن نواجه العدو الحقيقي لنا جميعاً وهو الاسلام، إن الأصولية الاسلامية هي على الأقل في مستوى خطورة الشيوعية سابقاً".
وفي يونيو من عام 1994 انتهت مهمة الجنرال جون كالفان القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي. وفي الاحتفال التكريمي الذي أقيم له في بروكسل، ألقى كلمة تحدث فيها عن الآفاق المستقبلية للحلف ولدوره. تستوقفنا من كلمته العبارة الآتية: " لقد ربحنا الحرب الباردة وها نحن نعود بعد 70 عاماً من الصراعات الضالة الى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة. إنه صراع المجابهة الكبيرة مع الاسلام".
غير أن الوقائع اليوم تبيّن أن اختراع هذا العدو المشترك لم يوحد حلف شمال الاطلسي، فالحلف يمرّ في أسوأ مراحله منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين في عام 1989. فالحرب على الإرهاب انطلاقاً من أفغانستان، ثم الحرب الأميركية - البريطانية على العراق باعدت بين الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية داخل مجلس الأمن الدولي وخارجه. ويعود السبب في ذلك إلى أمرين أساسيين: الأمر الأول هو أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تتبنى نظرية المحافظين الجدد التي تقوم على قاعدة الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في التاريخ. وأنها بالتالي قادرة على التحرك - بل ويجب أن تتحرك - استجابة لقناعاتها ولمصالحها بصرف النظر عن حسابات أو مصالح الآخرين بمن فيهم الحلفاء. ذلك لأنها ليست أساساً بحاجة إلى أي منهم أو حتى إليهم مجتمعين .
الأمر الثاني هو أن العدو الذي تحاربه الولايات المتحدة لا يملك قوة ردع كما كان الوضع في الاتحاد السوفييتي السابق. و بالتالي لا توجد حالة رعب متبادل تفرض قيوداً وضوابط على حرية القرار الاميركي. فالارهاب الاسلامي - وليس الإسلام كما تقول الادارة الاميركية - عدو فكري كالشيوعية يجب تعطيل قدراته على ارتكاب أي عمل إرهابي، ويجب استئصال الفكر الذي يستند إليه في دعوته إلى الإرهاب.
وعلى أساس هذين الأمرين تصاغ السياسة الخارجية الاميركية على قاعدة أن من ليس معنا فهو مع الارهاب، أو في أحسن الأحوال فهو انهزامي ومضلل وجبان. أي على قاعدة "نحن" مقابل "هم" وكل شيء أو لا شيء. ولعل أكثر ما تبرز هذه الايديولوجية الأميركية الجديدة في الكتاب الجديد الذي ألّفه اثنان من أقرب المقرّبين إلى الرئيس الأميركي جورج بوش وهما وليم بيرل ودافيد فروم .
أما بيرل فهو مساعد وزير الدفاع رامسفيلد، وكان مستشار وزارة الدفاع أيضاً في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان. وبالنظر لآرائه المتطرفة لقّب بـ"أمير الظلام"، حتى داخل وزارة الدفاع الاميركية. وأما فروم فهو كاتب الخطابات السياسية للرئيس جورج بوش، وواضع عبارة "محور الشيطان" التي تختصر سياسة الرئيس الأميركي تجاه الدول المعارضة للسياسة الأميركية الخارجية.
يحمل كتاب بيرل وفروم عنوان: "نهاية الشر: كيف نربح الحرب على الإرهاب؟" (عرض للكتاب في صفحة الكتب). وفي هذا الكتاب يحدد الكاتبان الوسائل العشر التالية لربح الحرب:
1 - فك الارتباط بين السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية وفصل المنطقة الشرقية في عملية تقسيم للمملكة، ويبدو أن الشرارة لإثارة هذه الفتنة قد بدأت في العراق.
2 - قلب نظام الحكم الإسلامي في إيران، من خلال صبّ الزيت على نار الاختلافات بين الإصلاحيين والمحافظين.
3 - استضعاف سوريا بحملها على سحب قواتها من لبنان الأمر الذي يجعل التهديد العسكري الإسرائيلي أشد فاعلية.
4 - اعتبار الإسلام المتطرف في حالة حرب مع الولايات المتحدة، واتهامه بالسعي لتدمير الحضارة الغربية. وذلك بحجة أن هذا العدو لا يتألف من مجرد جماعات معزولة، ولكن هذه الجماعات تتمتع بتأييد وبدعم من مج