في هذا المقال نتابع التأصيل النظري الذي يقدمه المؤرخ بني مورس لموافقته على الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، وهو تأصيل سيلاحظ القارئ أنه يقوم على عنصرين. الأول يتصل بتجربة طرد العرب في الماضي عام 1948 بالفظائع والمذابح، وفي هذا العنصر يلوم المؤرخ بني مورس الزعيم الصهيوني بن جوريون لأنه لم يكمل مهمة الطرد في ذلك الوقت. والثاني يتصل بالحاضر والمستقبل حيث يؤسس المؤرخ لعملية مقبلة لطرد العرب جماعياً من الضفة وغزة وحدود 1948 على حد سواء.
يتساءل محرر "هآرتس" في دهشة بعد أن أبدى بني مورس آراءه المذكورة سلفاً، ليسأل المؤرخ: وهل تتعايش جرائم ومجازر الحرب بسلام؟ وماذا عن الحقول التي أشعل فيها جنودنا النار؟ والقرى المدمرة التي نسفوها؟ ويجيب بني مورس قائلاً: ينبغي وضع الأمور في نصابها. الحديث يدور عن جرائم حرب صغيرة. فإذا أخذنا كل المذابح وعمليات القتل وأحصينا نتائجها فسنجد أن الحصيلة 800 قتيل عربي في عام 1948. وإذا قارنا الحصيلة بنتائج مذابح البوسنة سنكتشف أن هذا رقم ضئيل. وإذا وضعنا في الاعتبار أن ما حدث هنا كان بمثابة حرب دامية وأننا فقدنا نسبة من السكان سنجد أننا تصرفنا بطريقة ممتازة.
ويعود محرر "هآرتس" للتعبير عن دهشته من الانقلاب لدى المؤرخ بني مورس ويسأله: إن ما حدث في أفكارك شيء يثير الاهتمام. فلقد انغمست في بحوث نقدية لبن جوريون ورجال المؤسسة الصهيونية، ولكنني أرى أنك في نهاية الرحلة البحثية تتعاطف مع بن جوريون والمؤسسة. إن أفكارك الأخيرة تبدو حازمة وقاسية تماماً كما كانت أفعال أولئك الرجال بقيادة بن جوريون؟ ويجيب بني مورس: لعلك مصيب فيما تقول، لقد أدى بي البحث المتعمق في الصراع إلى مواجهة أسئلة عميقة طرحت نفسها على هؤلاء الرجال في ذلك الوقت. ولقد أدركت طبيعة المشكلة التي واجهتهم، وهي مشكلة تفريغ الأرض وطرد العرب لإقامة الدولة اليهودية؛ وأعتقد أنني توحدت مع بعض المفاهيم التي توصلوا إليها لكنني لا أنحاز إلى بن جوريون. فأنا أعتقد أنه وقع في خطأ تاريخي فادح في عام 1948ذلك أنه على رغم إدراكه لأهمية البعد السكاني ولضرورة إقامة دولة يهودية دون وجود أقلية عربية كبيرة بها. إلا أنني أرى أنه قد تقاعس في تنفيذ المهمة المطلوبة وفي النهاية فشل فيها.
وعلى رغم وضوح الحكم الذي يصدره المؤرخ بني مورس والذي يعني أنه يأخذ على بن جوريون أنه لم يواصل عمليات الذبح والقتل في المدنيين العرب بشكل يجبر كل العرب على الهرب والرحيل الجماعي للنجاة بأنفسهم، فإن محرر "هآرتس" يعود إلى محاولة التأكد من أنه سمع المؤرخ على نحو دقيق. ذلك أن هذا الحكم التاريخي على الماضي المشحون بالمذابح لا يكتفي بتبرير ما ارتكب منها بل يلوم بن جوريون لأنه لم يكثر منها على النحو المطلوب. وفي الحقيقة فإن المرء ليحار كيف يوجد مثل هذا المنطق في عقل أي إنسان ناهيك عن مؤرخ، ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث تسود نظريات حقوق الإنسان وحفظ حقوق الشعوب وضمان سلامة المدنيين في زمن الحرب. إنه منطق يعود بنا قروناً إلى الوراء.
نعود إلى محرر "هآرتس" غير المصدق لما يسمع وبالتالي يسأل بني مورس قائلاً: لست واثقاً من أنني قد فهمت ما تقول. هل تعني أن بن جوريون قد أخطأ عندما اكتفى بطرد عرب أقل مما يجب؟
ويجيب المؤرخ في بشاعة عنصرية قائلاً: بما أن بن جوريون قد قام بعمليات لطرد العرب فإنني افترض أنه كان يجب عليه أن ينهي المهمة. ويواصل المؤرخ المنقلب بني مورس في فظاظة إنسانية كلامه ليقول: أنا أعلم أن ما أقوله الآن سيصيب العرب والليبراليين وأصحاب نظرية الاستقامة السياسية بالصدمة، غير أن إحساسي يقول إن هذه الأرض كان يمكن أن تكون أهدأ وأقل معاناة لو تم حسم تلك المسألة في توقيتها، ولو أن بن جوريون أنهى عملية طرد كبيرة ونظف الأرض كلها، كل أرض إسرائيل حتى نهر الأردن.
ويضيف المؤرخ الذي يعود بنا إلى عصور الانحطاط التاريخي وطرد الشعوب وسبيها والتطهير العرقي حكماً يتصل بالمستقبل. فيقول: قد يتبين مع مرور الأيام أن هذا كان خطأ بن جوريون القاتل، فلو أنه أنجز عملية طرد كاملة وليس جزئية كما فعل، لكان قد حقق لدولة إسرائيل الاستقرار لأجيال عديدة مقبلة.
وفي مواجهة فظاعة وانحطاط أفكار بني مورس يشعر محرر "هآرتس" بعدم التصديق ويعبر عن ذلك قائلاً: يصعب علي أن أصدق ما أسمعه! غير أن بني مورس يأخذ عبارة الدهشة على أنها تشجيع، فينتقل إلى رؤيته المتعلقة بالحاضر والمستقبل والطرد المقبل للعرب.
يستطرد بني مورس قائلاً: لو أن نهاية هذه القصة ستصب في ضرر اليهود فإنني أقول إن السبب في هذا الضرر يرجع إلى حقيقة أن بن جوريون لم يستكمل عملية طرد عام 1948 أي لأنه ترك رصيداً سكانياً كبيراً ومتفجراً في الضفة الغربية وغزة بل وداخل إسرائيل.
ويحاول محرر "هآرتس" إعطاء بني مورس فرصة لإعادة التفكير في حكمة المشين فيسأله: لو كنت مكان بن جوريون هل كنت طردت جميع العرب؟ ويجيب بني مورس في وقاحة تاريخية قائلاً: لست رجل