كثيرا ما يتشدق الرؤساء الأميركيون بكلمة "الديمقراطية" لتبرير الأفعال التي يقومون بها في الخارج. ويرجع ذلك إلى أن كلمة الديمقراطية من الكلمات الأثيرة لدى الأميركيين لأنها تجعلهم يشعرون بأنهم يقفون في صف الملائكة. بيد أنه إذا ما كانت الديمقراطية هي الشيء الذي نسعى إلى تحقيقه في الخارج، فإن المؤكد هو أننا سنفشل في ذلك فشلا ذريعا. فخلال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، تدخلت الولايات المتحدة 35 مرة في دول نامية في مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك فإن بحوثنا أثبتت أنه في حالة واحدة فقط – وهي حالة كولومبيا التي قررت الولايات المتحدة التدخل فيها عام 1989 لمساعدة حكومتها في الحرب التي كانت تشنها على المخدرات- نجحت الولايات المتحدة -بعد مرور 10 سنوات على تاريخ تدخلها في ذلك البلد، في تحقيق ديمقراطية كاملة، مستقرة، ذات حدود واضحة بين السلطات، وقواعد ثابتة لنقل السلطة. وفي مرات أخرى تدخلت فيها الولايات المتحدة مثل جواتيمالا عام 1954، ونيكارغوا 1978، وتايلاند 1966 ، فإن الذي تحقق لم يكن أكثر من زخارف ديمقراطية. أما نتائج تدخلنا في لبنان 1958، وجمهورية الكونجو 1967، وجواتيمالا مرة أخرى عامي 1966، و1972 ، فقد كانت أكثر تعاسة مما سبقها. ففي تلك الحالات فإن التدخل الأميركي، غالبا ما كان يعقبه بعد فترة تدهور للأوضاع مقارنة بما كان قائما قبله. ولقد توصلنا إلى هذه الاستنتاجات من خلال الربط بين أنواع التدخل المعروفة التي لا تشمل فقط الحروب واسعة النطاق، وإنما تشمل أيضا العمليات الصغيرة مثل "الطيران فوق المجال الجوي للدول" أو المهام "الاستشارية".. وبين ما يعرف باسم " المؤشر رقم 4 لنظم الحكم "، وهو مؤشر مقبول أكاديميا يقيس وضعية الديمقراطية والأتوقراطية في الدول المختلفة سنويا. ولكن ما السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تحقق هذه النتائج التي لا تدعو إلى الإعجاب؟ ينبغي بداية التنبيه إلى أن ذلك لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة، لأن سجل الدول الأخرى مثل بريطانيا أو فرنسا وكندا في التدخل، لم يكن أفضل من سجل الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك فإننا لا نستطيع أن نلقي باللوم على الدول التي نقوم بالتدخل فيها. صحيح أن معظم تلك التدخلات قد حدثت في دول فقيرة ينخفض فيها مستوى التعليم، ولا تمتلك سوى خبرة محدودة بالمؤسسات الديمقراطية، إلا أنه لا توجد مؤشرات واضحة، تدل على أن تلك الأسباب كانت هي التي أدت إلى إخفاق عملية التحول الديمقراطي في تلك الدول. ليس هذا فحسب، بل إن الحقيقة هي أن الدول المجاورة للدول التي تم التدخل فيها قد حققت قدرا أكبر من التقدم نحو الديمقراطية خلال العقد الذي تلا التدخل في هذه الأخيرة.
التفسير الأنسب لذلك حسب اعتقادنا، هو التعارض الكامن بين رغبة أميركا المعلنة في تحقيق الديمقراطية في الدول التي تتدخل فيها، وبين رغبتها في ضمان قيام تلك الدول باتباع سياسات تتلاءم مع مصالحها. إن التعارض بين هذين الهدفين حتمي في معظم الحالات تقريبا، باستثناء تلك الحالات التي تتم لأغراض إنسانية في المقام الأول، وهي حالات نادرة للغاية، غالبا ما تفشل بسبب الافتقار إلى الالتزام من جانب الدولة أو الدول التي تقوم بالتدخل (كما حدث في حالة الصومال عام 1993).
ففي معظم الحالات التي تدخلت فيها الولايات المتحدة، كانت الرغبة في تغيير بعض جوانب السياسة الخاصة بالدول التي يتم فيها التدخل.. أقوى من الرغبة في تحقيق الديمقراطية. فعلى سبيل المثال، كانت الرغبة في إنهاء الدعم الذي كان يوفره النظام الحاكم في أفغانستان لأسامة بن لادن أقوى من الرغبة في جلب الديمقراطية للشعب الأفغاني عندما قمنا باتخاذ قرار التدخل هناك. وعلى رغم أن الديمقراطية في تلك الحالة قد تكون إحدى النتائج غير المباشرة للتدخل، وهو أمر مرحب به بالطبع، إلا أنه لا يمثل الهدف الأكثر أهمية.
وفي حالات كثيرة مثل العراق، كانت لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة دوافع قوية للتحسب لجميع الاحتمالات وعدم ترك شيء تقريبا للصدف. والمقولات التي ترددها الإدارة الأميركية مثل "العراق يمتلك مفتاح كسب الحرب على الإرهاب"، والتي تقوم بحشد دعم الشعب الأميركي لشن الحرب، هي التي تقود الشعب نفسه إلى توقع أن الحكومة العراقية التي ستتبلور سوف تكون حليفة للولايات المتحدة الأميركية في المعركة ضد الإرهاب. أما خلق حكومة أقل انتقادا للسياسات الأميركية - دعك عن خلق حكومة متعاطفة علنا مع أعداء المصالح الأميركية- فهي نتيجة غير مقبولة على الإطلاق.
والمسار الأكثر ملاءمة لتحقيق نتائج سياسية مرغوبة هو: (1) القيام بتنصيب قادة – أتوقراطيين عادة- من بين هؤلاء الذين كانوا يظهِرون دائما تعاطفا تقليديا مع مصالح الولايات المتحدة. ( ب) تعيين حكومة تتكون في معظمها من أشخاص متعاطفين مع المصالح الأميركية وتكليفها بعقد انتخابات حرة عندما يصبح الظرف ملائما. ( ج) تصميم عملية انتخابية تكون الولايات المتحدة متأكدة من أنها سوف تسفر