هناك سؤالان مهمان في النقاش الدائر حاليا بشأن الفشل الاستخباراتي الأميركي في الفترة التي سبقت الحرب على العراق: الأول، هل هناك أحد يستطيع الرئيس أن يوجه له اللوم عن حق؟. والثاني، هل لدى الرئيس بوش القدرة على معالجة كافة المشاكل الموجودة؟
الإجابة في الحالتين بالنفي. حيث لم يكن لدى أحد من المسؤولين الحكوميين الأميركيين القدرة على الحيلولة دون وقوع أخطاء في التقدير بشأن برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية.. كما لا يوجد لدى أي مسؤول في الحكومة- وفقا للقوانين المعمول بها حاليا- السلطة التي تمكنه من وضع الأمور في نصابها الصحيح.
فهذه المشاكل في رأيي ترتبت على قصور في قانون الأمن القومي الصادر في العام 1947 والذي تم بموجبه إنشاء مكتب مدير الاستخبارات المركزية. فهذا القانون كلف مدير الاستخبارات، بمهمة التنسيق بين عمل كافة الإدارات التابعة لجهاز الأمن القومي الأميركي، الذي يتم إنفاق 30 بليون دولار سنويا عليه حاليا، والذي يضم في هيكله الحالي 15 وكالة مستقلة ذاتيا. وعلى رغم المسؤولية التي ألقاها القانون على عاتق مدير الاستخبارات المركزية، إلا أنه لم يمنحه الصلاحية لإدارة العديد من تلك الكيانات المستقلة الموجودة ضمن الهيكل الذي يقوم بإدارته.
وفي الواقع، أن وكالات التجسس الأميركية المختلفة قد ظلت بدون مدير عام تنفيذي طيلة الخمسين عاما الماضية.
علينا أن ننظر فيما يلي: إن وزير الدفاع هو الذي يتحكم في 80 في المئة من مجموع الأموال المخصصة للاستخبارات القومية، كما أنه يقوم بإدارة سبعة أجهزة من الخمسة عشر جهازا التي تضمها الوكالة. وإذا ما قارنا ما بين وزير الدفاع وبين مدير الاستخبارات، فسوف نجد أن الأخير يتحكم فقط في وكالة الاستخبارات المركزية " سي.آي.إيه"، ويقوم بالتوقيع على تقديرات الاستخبارات القومية(الوثائق السرية التي تعكس إجماع وكالات الاستخبارات المختلفة)، ويقدم المشورة للرئيس.
وربما كان منح وزير الدفاع السيطرة على عمل الجزء الأكبر من شبكة الاستخبارات الأميركية القومية أمرا منطقيا ومفهوما خلال فترة الحرب الباردة، على اعتبار أن التهديد الموجه لأميركا في تلك الفترة كان عسكريا في الأساس، وبالتالي فإن الحصول على المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالقدرات العسكرية لعدونا كان يمثل أمرا مهما لأمننا القومي.
هذا الوضع اختلف الآن.. وذلك بعد أن اصبح التهديد الرئيسي الموجه لنا هو تهديد الإرهاب، وبعد أن أصبحت قواتنا العسكرية مجرد خط من بين مجموعة من خطوط الدفاع الخاصة بمواجهة هذا الخطر. كان من المفروض بناء على ذلك، أن تتم إعادة توجيه جهود الاستخبارات كي تعكس الحقائق الجديدة، وهو ما كان يعني من ناحية أخرى ضرورة منح مدير الاستخبارات صلاحيات وسلطات أوسع.
كيف يمكن لنا نقوم بذلك؟ هناك خمسة مقترحات في هذا الشأن يمكن إجمالها على النحو التالي:
فيما قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ،تقدمت لجنة برئاسة " برينت سكوكروفت" مستشار الأمن القومي في عهد جورج بوش الأب، باقتراح دعت فيه إلى تحويل المسؤولية عن وكالة الأمن القومي( التجسس الإلكتروني)، ومكتب الاستطلاع القومي( التجسس الفوتوغرافي)، ووكالة الاستخبارات الجيو- فضائية القومية( تفسير الصور) من وزير الدفاع إلى مدير الاستخبارات.
وكانت وجهة نظر اللجنة في ذلك الوقت هي، أنه طالما أن مدير الاستخبارات يشرف بالفعل على معظم الأنشطة البشرية الاستخباراتية للدولة، فإن نقل المسؤولية عن تلك الأجهزة إليه سوف يضع مؤسسات التجسس الرئيسية في أميركا تحت يده. أما مخاوف البنتاجون بشأن فقدان السيطرة أو سحب الصلاحيات منه، فيمكن تهدئتها بمنحه "ورقة رئاسية من النقش الرابح"، بمعنى أن الرئيس الأميركي، ولا أحد غيره، هو فقط الذي يمتلك سلطة إلغاء طلب شخصي مقدم من وزير الدفاع للقيام بمهمة تجسس محددة ( إعادة توجيه مسار قمر اصطناعي، على سبيل المثال).
- ضرورة منح مدير الاستخبارات سلطة الإشراف على توزيع جميع البيانات والمعلومات الاستخباراتية، سواء في صورتها الأولية أو بعد تقييمها. فالذي يحدث اليوم هو أن منظمات التجسس الفردية تقوم بإنشاء " شُعب خاصة" تحتفظ فيها بالمعلومات الشديدة الحساسية. ويقوم المسؤولون عن تلك الشعب بالتحكم في عملية الوصول إلى تلك البيانات والمعلومات، بغرض حمايتها من عمليات التسريب التي يمكن أن تعرض سلامة العملاء وغيرهم من المصادر الاستخباراتية للخطر.
- يجب أن يكون لدى مدير الاستخبارات صلاحية الإشراف على الميزانيات الخاصة بالخمس عشرة وكالة الاستخبارية. فعن طريق وضع صلاحية الإشراف في يد واحدة، يمكننا أن نأمل في الحصول على ميزانية تسعى إلى تحقيق هدف موحد في النهاية، وتغطي أكبر عدد ممكن من احتياجات الوكالات المتعددة.
بيد أنه عندما يتعلق الأمر بالحرب التي نخوضها ضد الإرهاب، فإنه من الأهمية بمكان أن يكون لدينا شخص موجود في وضع يجعله قادرا على فهم ما يجرى سواء في داخل البلاد أو في خارجها.
ال