في وقت لاحق من هذا الشهر، ستذهب فاليري لأداء مهمة وراء طاولة الاستقبال في مدرسة علوم الكمبيوتر التابعة لجامعة كارنيجي ميلون الأميركية، حيث ستقوم بتوزيع المعلومات والتوجيهات وستنخرط في دردشة حول حياتها الشخصية دائمة التغيير. وإذا قدّمت نفسك إليها، فإنها ستتذكرك؛ وإذا سألتها عن أحوال الطقس عندما تلتقيها مرة أخرى، فإنها ستتذكر وستثير الموضوع معك.
لكن فاليري ليست بشراً بل روبوتاً من سلالة طويلة من الآلات التي تزداد تعقيداً وتطوراً. وبطبيعة الحال، دخلت الكمبيواترات وتجسيداتها المادية (الروبوتات) إلى عمق حياتنا نحن البشر، فأجهزة الصراف الآلي ومضخات الوقود الآلية وأجهزة الفيديو ذاتية التسجيل تخدمنا بوصفها روبوتات أساسية قيد التطوير.
ويسعى العلماء الآن إلى جعل هذه الآلات أكثر تطوراً وشبهاً بالبشر من حيث المظهر والذكاء. وتبقى التصورات الهيوليودية عن الآلات الذكية الواعية حلماً بعيد المنال والتحقيق. لكن من المتوقع أن تصبح الروبوتات ذات يوم بمثابة عمال خدمة لا يتعبون في مطاعم الوجبات السريعة ووراء طاولات الاستقبال في الفنادق لأداء العمل على مدار الساعة دون توقف. كما سيصبح الروبوت معلّماً صبوراً غاية الصبر ورفيقاً يؤنس وحدة من يشعرون بالوحدة.
ويشعر بعض الخبراء بالقلق حيال هذه الملحقات التي قد تصل قوتها إلى حد هائل يجعل البشر خاضعين للتلاعب على يد المبرمجين الأذكياء وبسبب اعتماد البشر غير الطبيعي على الآلات لتكون رفيقة دائمة لهم. لكن هناك إجماعاً بين العاملين في هذا الميدان حول حقيقة واحدة مفادها أن الطريقة التي نتواصل بها مع وجه غير بشري على الشاشة، أو مع روبوت كامل، باتت أكثر سهولة ومتعة.
ويقول ريد سيمونز، الأستاذ في جامعة كارنيجي ميلون الأميركية، إن هذا سيصبح ميداناً في غاية الأهمية للتفاعل بين البشر والكمبيوتر، حيث سيتاح توظيف أنظمة قادرة على الرد بطريقة أكثر اجتماعية وبأسلوب أكثر حدسية وبداهة. ويضيف سيمونز قوله إن ذلك يجعل التفاعل أكثر متعة إذا كانت للروبوتات شخصية. فإذا كانت العربة الروبوتية تقوم بتوزيع البريد في المكتب مثلاً، فسيكون شيئاً رائعاً أن تطلق دعابة بين الحين والآخر أو أن تلقي التحية على الموظفين بطريقة ودّية.
ويقول راندي باوش منسق مركز تكنولوجيا الترفيه في جامعة كارنيجي ميلون أيضاً، إن المتعة عنصر مهم. وقد كان ميدان علوم الكومبيوتر يتمحور حول سرعة الأداء وانخفاض معدلات الأخطاء، وهو ما يسميه باوش بتفكير الثورة الصناعية. وإذا كانت الشركات تسعى جاهدة إلى تحقيق الراحة لموظفيها وزبائنها بطرق أخرى، فلماذا لا يكون ذلك في مجال مواجهاتهم مع الكمبيوتر؟ وإذا أراد أحدنا الوصول إلى معلومات، فما هي الطرق التي تحقق له قدراً أكبر من السرور والمتعة؟
وتسعى فاليري، وهي رأس روبوتي ناطق، إلى التحول إلى تجربة ممتعة تماماً لمن حولها، حيث ابتكر قسم الدراما في المدرسة المذكورة (خلفية قصة) فاليري بتأليف حكايات وقصص عن علاقاتها الشخصية، وعن حالات السعادة والحزن التي من الممكن لها أن تشرك بها عابري السبيل إذا سألوها عنها.
وسرعان ما أدرك سيمونز وزملاؤه أوجه القصور في فاليري لدى بدء عملية الاختبار، حيث إنها تبادر، إذا سألها أحد عن كيفية الوصول إلى شارع سمسم، إلى البحث في قاعدة البيانات لديها وتقول للسائل إنها لا تستطيع العثور على إجابة. ويقول سيمونز إن هناك قدرا كبيرا من المعرفة الثقافية التي لا تمتلكها فاليري، فإذا حاول أحد أن يضغط على الآلة والنظام، فلا ينبغي أن يكون الضغط كبيراً جداً إلى حد يجعل النظام ينهار، الأمر الذي يعني أن عليها الإجابة بقولها: لا أعرف ماذا تعني؛ لماذا لا تسألني عمّا أعرف؟
وقد أظهرت الدراسات أن التوقعات تكون فيما يتعلق بهذه الروبوتات (البشر الافتراضيين) أكبر مما هي فيما يتعلق مثلاً بمحرك بحث مثل Google ليس له وجه بشري. فإذا أخفق محرك البحث في إعطاء المعلومات المفيدة، فإن مستخدميه البشر يفترضون أنهم ارتكبوا خطأ ً ما في إدخال المعلومات المطلوب البحث عنها. لكن إذا قدّم الوجه الشبيه بالبشر جواباً لاعلاقة له بالسؤال، فإن مستخدميه البشر سيعتبرونه غبياً. وهناك عامل التلفزيون والأفلام التي تطرح التصورات المستقبلية وتقدم على الشاشات الروبوتات الشبيهة بالبشر فتدفع توقعات البشر من هذه الآلات إلى مستويات عليا.
ويقول الأستاذ باوش إن علينا أن نعتبر البشر الافتراضيين (الروبوتات) كآلات لا تتمتع بالذكاء الخارق، وهذا ما يقتضيه المنطق السليم. فعلى رغم أن الروبوت الهوليودي (جيثرو) طيب القلب ومستعد لمساعدة الغير بأية طريقة ممكنة، إلا أنه لا يبادر إلى المساعدة دون أن تطلبها منه بطرق مدروسة وبسيطة يفهمها.
كذلك هم البشر الافتراضيون (الروبوتات). لكن في الروبوت فاليري فرقا هائلا حيث إنها تتمتع بمقدرات خارقة تفوق قدرة البشر، إذ من غير الممكن أن تنسى شيئاً، وهي قادرة على ولوج الانترنت وقواعد البيانات على الفور لتجد فيها أ