ورد في تقرير دولي أن ما نسبته (17 في المئة) من الكتب التي تطبعها الدول العربية والإسلامية سنوياً هي كتب دينية، بينما تبلغ النسبة في أوروبا (15. في المئة) فقط للمادة ذاتها! وبالطبع هذا الأمر ليس غريباً ولا عجيباً وذلك حين نشاهد كيف يقبل الناس في العالمين العربي والإسلامي على مشايخ الدين يستفتونهم في كل القضايا بدءاً بالوضوء وانتهاء بالاستنساخ والهندسة الوراثية، وما سمعت يوماً قط أحد هؤلاء المشايخ يقول: لا أدري، بل يجيب على كل سؤال ويفسر كل حلم، ثم بعد ذلك نسمع بعضهم يقول: لا أدري نصف العلم"!! المهم أن ما ورد في هذا التقرير يوضح لنا حقيقة التقدم في الغرب والتخلف في الشرق من خلال مؤشر ثقافي مهم: الكتاب، مع العلم أن الكتب الخاصة بالدراسات النقدية والتحليلية للدين لا توجد سوى في الغرب، وأن مراكز الدراسات الإسلامية لا توجد إلا في الغرب، وهذا الغرب (الكافر) لديه جامعات عريقة يتوفر فيها بأقسام الدراسات الدينية الشرقية ما لا يتوافر في الجامعات الشرقية، وهم يدرسون الأديان المقارنة بحرية ودون خوف من تكفير أو إرهاب ديني بالمحاكمات أو الاغتيال أو النبذ الاجتماعي. وبرغم كل هذا الكم الهائل من الإمكانات الثقافية والعلمية، لا نجدهم يدرسون النص الديني من خلال القداسة، بل من خلال النقد، فضلاً عن مراجعاتهم الدورية لكتابي العهد القديم والعهد الجديد والبحث في كل ما يتصل بهما تدويناً وتاريخاً، اعتماداً على العقل والبحث العلمي.
خلاف هذا كل موجود لدينا في الشرق لا دراسات نقدية، ولا أبحاث في النص الديني ونقل حرفي دون أي استخدام لمَلَكَة النقد في التاريخ الديني، وقداسة التراث الديني بصورة مخالفة للعقل، ولا مراكز دراسات دينية، دع عنك المناهج التعليمية المتخلفة في المعاهد الدينية وكليات الشريعة، والإرهاب الفكري الموجه لكل من يحاول أن يهتك ستر هذه القداسة. وفي النهاية المستفيد الوحيد من ذلك كله: التيار الديني. ومع فقدان العقل في كل هذا التجميع أو التقميش كما يقولون في اللغة، كان لابد من أن يرتفع هذا الشرق في التخلف الثقافي، بل وأن يكون (متونس ومنشرح الصدر) بهذا التخلف.
طباعة الكتب الدينية تجارة مربحة لأهل هذه الصنعة، حيث لا حقوق نشر، وحيث لا جهد في إعادة النظر في هذه الكتب التراثية المملوءة بالأساطير الإسرائيلية، وكذلك انعدام الجهد والعقل المطلوب حين قراءتها، لأن هذه الكتب تُقرأ بالعاطفة المشبوبة والحنين نحو الماضي المفقود الذي لا يأسف على فقده صاحب العقل، لا بعين العقل، بمعنى أن القراءة ليست متعبة عقلاً لمن يقوم بقراءاتها، كما أنها لا تضيف إلى المعرفة شيئاً جديدا ً لأنها مجرد تكرار لا قيمة له معرفياً. ولو استخدم الإنسان العربي المسلم عقله لاستخسر أن يدفع فلساً واحداً في هذه الكتب التي تكرر المعلومات دون تحليل عقلي ومنطقي.
أوروبا صاحبة عقل، ومن يعمل في صناعة الكتاب يعلم تمام العلم أن الناس تؤيد الانفتاح العقلي والتخيل الممتع والدال على حرية التعبير. ألا ترى هؤلاء الغربيين وقد اصطفوا ليل نهار لشراء نسخة من كتاب "سيد الخواتيم" أو "هاري بوتر"، في حين يكفيهم وجود نسخة واحدة من الإنجيل!!؟ وهو كتابهم المقدس؟!