عندما أسس مصرف أبوظبي الإسلامي في عام 1997 وتم طرح أسهمه للاكتتاب العام تجاوزت حصيلة الاكتتاب في أسهمه 12,4 مليار درهم، مع أن رأسماله قد تم تحديده بمليار واحد فقط. أي أن حصيلة الاكتتاب قد تجاوزت رأس المال المستهدف بأكثر من 12 ضعفاً. وكان ذلك حينئذٍ رقماً قياسياً وظاهرةً اقتصاديةً فريدةً من نوعها ولم تشهد لها سوق الأسهم المحلية مثيلاً. واليوم ومع مطلع عام 2004، أي بعد مضي 6 سنوات تقريباً، تتكرر عندنا الظاهرة الاقتصادية نفسها عندما طرحت أسهم شركة "أملاك" للاكتتاب العام حيث وصلت حصيلة الاكتتاب إلى حوالى 13,7 مليار درهم، وذلك على رغم أن حجم الأسهم التي طرحتها "أملاك" للاكتتاب العام قد بلغ 412,5 مليون درهم فقط . أي أن حصيلة الاكتتاب قد تجاوزت المبلغ المستهدف بأكثر من 33 ضعفاً .
والتساؤلات التي تطرح ذاتها كثيرة جداً، بيد أن أهمها هي: من أين تأتي هذه المليارات ؟ وهل من الممكن الاستفادة منها في مشروعات أخرى ؟ وهل سنجد الظاهرة نفسها فيما لو أنشئت الشركة المساهمة العامة في قطاعات أخرى (أي غير البنوك والعقارات)؟ وإذا كانت ثقة المستثمر في سوق الإصدار الأولي كبيرة إلى هذه الدرجة، فلماذا لا يمتد المستوى نفسه من الثقة إلى السوق الثانوي (أي سوق الأوراق المالية)؟ ولماذا يكون التداول النشط منحصراً في أسهم شركات محددة لا يتعداها؟ ولماذا نخلط قطاع الخدمات مع قطاع الصناعة مع قطاع العقارات مع قطاع الاتصالات مع قطاع السياحة والفندقة مع قطاع الطيران كلها في سلّة واحدة وكأنها قطاع واحد؟ وكيف السبيل إلى تنشيط السوق الثانوية وتفعيلها؟. فلو أردنا أولاً أن نحصر الأسباب التي تؤدي إلى بروز ظاهرة الفوائض المالية في حصيلة الاكتتاب والتي تفوق المبالغ المستهدفة بأضعاف فسوف نلاحظ الآتي:
1) أن من أهم العوامل المشتركة بين كل من مصرف أبوظبي الإسلامي وشركة "أملاك" هو أن كليهما قد أعلن للجمهور أنه سوف يلتزم باتباع المنهج الإسلامي في معاملاته الاقتصادية. ويبدو أن السوق في العالم العربي والإسلامي بوجه عام في تعطش دائم للمعاملات الإسلامية. أي أن الطلب على المعاملات الاقتصادية الإسلامية ما زال يفوق العرض بكثير. ويتبين مما حدث في الاكتتاب بأسهم شركة "أملاك" أن جماهير المسلمين قد بدأت بالفعل تعي وتدرك بأن المعاملات الاقتصادية الإسلامية لا تقتصر فقط على القطاع المصرفي، بل تتعداه لتشمل كافة القطاعات الاقتصادية دونما استثناء. ولذلك سمّيناها ظاهرة اقتصادية ولم نسمّها مالية ولا مصرفية، على رغم أنها بالفعل كذلك، وذلك لكي تأخذ بعداً أعم وأشمل. وهذا في الحقيقة مؤشر واضح تماماً لرجال الأعمال والمستثمرين بأهمية هذا القطاع الحيوي (أي قطاع العقارات) وبأهمية الاستثمارات الملتزمة بالمنهج الإسلامي.
2) على رغم استمرار انخفاض معدلات الفوائد المصرفية منذ فترة طويلة، والذي يفترض في حالة استمراره أن يمتص السيولة النقدية، وذلك لأن الطلب على الائتمان المصرفي حينئذ سوف يزداد، إلا أن ظاهرة الفوائض المالية في الاكتتاب تشير إلى غير ذلك. حيث تشير الظاهرة إلى أن لدى البنوك سيولة نقدية عالية جداً وأن عرض النقود كبير جداً إذا ما تمت مقارنته بالطلب عليها. وبالتالي فإن الطلب على الائتمان المصرفي في السوق المحلية ما زال صغيراً، وأن فرص الاستثمار ذي المخاطر المنخفضة والتي تجمع ما بين درجة معقولة من الأرباح ونسبة معقولة من السيولة ما زالت منخفضةً هي الأخرى. وأن هذه الأسباب كفيلة بأن تدفع البنوك وتشجعها على منح الائتمان بسخاء لغرض تمويل الاكتتاب في السوق الأولي؟ وقد تشترط البنوك على طالبي الائتمان المصرفي لهذا الغرض أن يكون استثمارهم قصير الأجل، بحيث يبيعوا أسهمهم بمجرد صدور قرار تخصيص أسهم الشركة ومن ثم إدراجها في سوق الأوراق المالية، وذلك حتى تضمن البنوك أموالها وحقوقها كاملةً. حيث إن البنوك في الغالب لا تستثمر في سوق الأسهم الثانوية بشكل مباشر، وذلك نظراً لارتفاع مخاطر الاستثمار فيها. غير أن السوق الأولي للاكتتاب يختلف فيما لو ضمنت البنوك حقوقها كاملةً. والحقيقة أن توفر السيولة النقدية بهذا المستوى يفرض على البنوك أن تسعى جادةً للبحث عن فرص استثمارية وتفعيلها وتشجيع رجال الأعمال للاستثمار فيها.
3) لا شك أن فتح باب الاكتتاب الأولي أمام الوافدين والأجانب كان له أثر كبير في بروز ظاهرة الفوائض المالية في الاكتتاب، حيث إن غير المواطنين يطمحون منذ زمن إلى أن يكون لهم موطئ قدم في سوق الأوراق المالية المحلية، وتكون لهم أسهم مملوكة في الشركات المساهمة المحلية، وذلك تحسباً لمستقبل هذه الشركات.
4) معدل النمو المتزايد لقطاع العقارات في الدولة، والذي لعبت شركة "إعمار" التي أنشأت شركة "أملاك"، دوراً بارزاً في تشجيعه والترويج له. حيث كان هذا النمو مصحوباً بنمو القطاعات الاقتصادية الأخرى المرتبطة به ارتباطاً مباشراً مثل قطاع السياحة والفندقة وقطاع السفر وقطاع الخدمات وقطاع التشييد والبناء وقطاع ال