من المتوقع ألا يخرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن تعليمات مجلس الأمن القومي التركي –وهو أعلى سلطة سياسية وعسكرية في البلاد- بشأن الملفات التي ينوي رئيس الوزراء بحثها مع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن باعتبار الولايات المتحدة هي المرجع القائد للنظام العالمي، وبخاصة بعد احتلالها العراق وتهديدها سوريا ولبنان وإيران.
وإذا كانت الملفات التي تنوي الإدارة الأميركية إثارتها مع رئيس الوزراء التركي محصورة في قبرص ومستقبل العراق وحزب العمال الكردستاني والمسألة الأرمنية والوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل وغير ذلك من الشؤون الدولية والعلاقات بين البلدين، وبخاصة في المجال الاقتصادي، فإنه في شأن قبرص هناك حاجة إلى إحياء عملية التفاوض على أساس حل "يأخذ خطة الأمين العام للأمم المتحدة كمرجعية ويستند إلى حقائق الجزيرة" –حسب بيان مجلس الأمن القومي التركي-. والحقيقة الأبرز في الجزيرة هي التقسيم الحالي بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين. وكانت المفاوضات المبنية على أساس خطة كوفي أنان قد انهارت منذ حوالى العام بعد أن رفض القبارصة الأتراك الخطة دون أن يعني ذلك موافقة القبارصة اليونانيين عليها. وكانت أثينا قد وجدت في ذلك طرحاً يختلف عن إطار قرارات الأمم المتحدة وخطة أنان. وأساس خطة أنان هو إجراء استفتاء عام في الجزيرة كلها بحلول الأول من مايو 2004. سوى أن وزير خارجية قبرص التركية الذي لا تعترف به سوى أنقرة عبّر عن عدم تفاؤله بالتوصل إلى حل قبل الأول من مايو، موعد إجراء الاتحاد الأوروبي مفاوضات مع تركيا بشأن عضويتها في الاتحاد والذي دعا إلى تنفيذ خطة الأمين العام للأمم المتحدة قبل الأول من مايو 2004.
بشأن مستقبل العراق، الأمر متروك بكامله إلى الشعب العراقي وبخاصة ما يتعلق بوضع كركوك الغنية بالنفط. وفي ترجيحنا وفق ما سمعناه مكرراً أن الاحتلال الأميركي حريص على وحدة الأراضي العراقية وسلامتها، وأن أساس الفيدرالية هو جغرافي وليس عرقياً ولا طائفياً ولا دينياً. فإذا ما وقع تقسيم العراق على غير هذا الأساس فإن الفوضى ستعمّ المنطقة كلها، وبخاصة في الدول المجاورة. هذا هو رأي تركيا والدول المجاورة للعراق إضافة إلى مصر. فهل ستكتب فسيفساء الداخل العرقية أو المذهبية مصير تقسيم العراق؟
وهكذا سيكون العام الحالي 2004 حاسماً بالنسبة إلى تركيا وبخاصة أن تركيا تعاني مشكلة وجود حزب العمال الكردستاني فيها، فإن الإدارة الأمريكية سعياً وراء تحقيق التهدئة في المنطقة من الطبيعي ألا تنصح بأية عملية عسكرية ضد هذا الحزب قط. فالديمقراطية الغربية التي تتبناها تركيا توجب ذلك، وبخاصة أن تركيا لا تزال تؤكد ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي. وهذا الترشيح، إلى جانب الضغط الأميركي، يوجبان أيضا فتح الحدود مع أرمينيا وتطبيع العلاقات معها، وبخاصة أن أرمينيا والجاليات الأرمنية في العالم تستعد منذ الآن لمناسبة 24 أبريل وهو الموعد الذي تجدد فيه ذكرى الإبادة الأرمنية القديمة في تركيا على ساحة الإعلام الدولي. أما بشأن الوساطة التركية لاستئناف عملية التفاوض على المسار السوري-الإسرائيلي فإنها تدخل ضمن خطة الطريق التي لا تزال واشنطن تؤيدها وتدعو إليها، وبخاصة أن المسارين السوري-الإسرائيلي واللبناني-الإسرائيلي ذكرا فيها –وقد أصبحت خطة دولية- ثلاث مرات، إحداها لدى الحديث عن مؤتمر دولي سابق لم يعقد (2003) ومؤتمر دولي لاحق في 2004. ومن المتوقع أن تكون الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل لاستئناف التفاوض من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات في شيبرزتاون في عام 2000، ضمن المساعي التي تعتبرها الإدارة الأميركية مفيدة لعملية التفاوض، وبخاصة أن الإدارة الأميركية تسعى إلى تجنيب المنطقة مزيداً من الفوضى والاضطراب.
بشأن العلاقات بين البلدين، وبخاصة في المجال الاقتصادي، من الطبيعي أن تتطرق المباحثات إلى القرض الأميركي الذي كان اتفق عليه الطرفان مقابل إرسال قوات تركية إلى العراق وقيمته 8,5 مليار دولار وكيفية الاستفادة منه، إضافة إلى موضوع الصناعات النسيجية ، وهي صناعة متقدمة في تركيا التي لديها فائض كبير فيها. وإذا ما اتفق الطرفان على معظم هذه الشؤون، وبخاصة الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل لاستئناف عملية التفاوض وتجنيب المنطقة اضطرابات جديدة فليس من المستبعد أن يقوم الرئيس الأميركي بزيارة أنقرة بعد أن يشترك في قمة حلف شمالي الأطلسي، تلك القمة التي ستنعقد في اسطنبول في يونيو القادم.