من أهم القرارات التي اتخذتها القمة الخليجية في شهر ديسمبر الماضي محاربة الإرهاب وتطوير التعليم. وجاء الاختبار الأول بصعوبة تنفيذ القرارات الخاصة بتطوير المناهج عملياً من تجربتين جديدتين إحداهما في الكويت حيث اعترض نواب مجلس الأمة الكويتي الذين ينتمون إلى تيارات الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون والحركة السلفية والشيعة) على برنامج الحكومة الداعي إلى تطوير المناهج في وزارة التربية قبل أن تبدأ اللجان الخاصة بالتطوير في عملها.
الإشكالية نفسها برزت في المملكة العربية السعودية. فالأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد خادم الحرمين الشريفيين ورئيس الحرس الوطني بارك عمل اللجان الوطنية أو ما يسمى "لجان الحوار الوطني" التي شكلت مؤخراً وخرجت بعدد من القرارات المهمة ومنها ضرورة إعادة النظر في مناهج وزارة التربية خصوصاً الكتب الدراسية.
هذه الكتب تحتوي على مواد معادية لروح العصر وتعاليم الإسلام السمحة. وقد تم سحب بعضها من المدارس. وقد واجهت المملكة معارضة قوية من تيارات الإسلام السياسي هناك. نتصور أن الكويت والسعودية قادرتان على إنجاز المهمة الداعية إلى تطوير مناهج التعليم، لكن هنالك مشكلات أخرى متعددة أكثر تعقيداً من المناهج.
المشكلة الأولى التي ستواجه دول مجلس التعاون في محاولتها الجريئة لتغيير المناهج هي من الذي سيضع ويطور المناهج الجديدة؟ ونقصد هنا من هي الجهة المنوط بها تغيير المناهج، هل هي مؤسسة عالمية متخصصة في مجال التعليم مثل اليونسكو؟ أم منظمة التعليم العربية؟ أم منظمة التعليم الخليجية؟ أم مؤسسات استشارية عربية أو أجنبية ستقوم بهذه المهمة الصعبة؟ من متابعتنا للموضوع نرى أن دولة قطر سوف تستعين بمؤسسات متخصصة أميركية للنظر في هذا الموضوع، أما الكويت وربما السعودية فستقومان بتشكيل لجان حكومية. مجلس التعاون الخليجي شكل لجنة متخصصة من دول المجلس، وخرجت بنتائج سوف تناقش من قبل اللجان المختصة في كل دولة. نحن نرى أن تشكيل اللجان الحكومية كما جرت العادة لن يغير من المشكلة، فسبب المشكلة الرئيسية هي اللجان الحكومية نفسها.
المشكلة الثانية التي ستواجه دول المجلس هي في إعداد المعلمين أو المدرسين الأكفاء القادرين على التفاعل مع البرامج التعليمية المطورة. نفترض جدلاً بأننا استعنا بأفضل العقول الأجنبية والعربية لعمل المناهج وبعدما جلبنا أفضل المختبرات والأجهزة والأدوات التعليمية وغيرها، فلن يتغير شيء ما دام إعداد المعلمين في دول المجلس ليس في المستوى المطلوب، فمعدلات القبول في الجامعات الخليجية متدنية مقارنة بغيرها من الجامعات، لذلك جاءت مخرجات التعليم في هذا التخصص متواضعة جداً وضعيفة.
المشكلة الثالثة هي أن مؤسسات التعليم في دول الخليج خصوصاً في الكويت والسعودية تهيمن عليها ويديرها جماعات الإسلام السياسي خصوصاً اللجان الخاصة بتطوير المناهج، وهؤلاء يرفضون إجراء أي تعديل على المناهج ما دامت لا تتفق مع مصالحهم، والدليل على ذلك أن كتب العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها كلها كتب جيدة ومقبولة لكن المشكلة لا تكمن في الكتب بل في طريقة إعداد المنهج وطريقة تدريسه وكفاءة المدرسين . العقليات القديمة لا تزال تهيمن على التعليم في دولنا العربية شكل عام والخليج بشكل خاص فبدلاً من تعويد الطالب على كيفية الحوار والمناقشة والتفكير الحر، تصر الهيئة التدريسية على تدريسه بالطريقة العثمانية القديمة وهي ضرورة الحفظ والتلقين وإرجاع المعلومة بدون فهم أو مناقشة.
مهمة تغيير المناهج ليست بالأمر السهل فهي تتطلب تغيير العقول قبل تغيير المناهج.