ما كان عام 2003 حَسَناً ولا إيجابياً على العرب والمسلمين؛ وعلى العرب على وجه الخصوص. وما اقتصر الأمر على غزو العراق، وتهدُّد القضية الفلسطينية، والضغوط الأميركية لضرب الاستقرار في المشرق العربي؛ بل زاد الطين بِلّةً أنَّ الأَوضاع الاقتصادية ما كانت جيدةً لجهة الاستقرار المالي، ونِسَب النمو في كثيرٍ من بلدان المشرق والمغرب العربيين.
ولكي يكونَ واضحاً ما نقصدُ إليه، يمكن تقسيمُ المشكلات إلى قسمين؛ الأولى تلك المتعلقة بالهجمة الأميركية على العرب واتجاهاتها وحظوظها؛ والثانية، الرؤى والإجراءات المتخذة للاستجابة لهذا التحدي، وللنظر في إمكانياتٍ حاضرةٍ أو مستقبلية.
والواقع أنَّه بالنسْبة للهجمة الأميركية؛ فإنّ الأمور لا تدعو أبداً إلى الاطمئنان أو لا تبعثُ على شئٍ من السكون. إذ ما عاد ممكناً القول إنّ المشكلات التي يُعاني منها الأميركيون بالعراق ، ستدعوهم للانسحاب أو تخفيف القبضة. كما لم يعد ممكناً الزعم أنّ العراقيين سيتمكنون من مواجهة قضية الاحتلال بشكلٍ جديٍ وجماعيٍ بعد شهور الضياع والانقسام. وبعبارةٍ أخرى: لقد بدأ الأميركيون يحققون نجاحاً لا يمكن إنكارُه على عدة جبهاتٍ بالعـراق. إذ إنّ خسائرهم ما تجاوزت الحدودَ المقبولة، والرأي العام الأميركي ما تأثر بها تأثراً كبيراً يمكن أن يقلق إدارة الرئيس بوش. بل إنّ الأميركيين عادوا لمواقع الهجوم حينما حددوا موعداً لإعادة " السيادة " الشكلية أواخر شهر يونيو من عام 2004 فوضعوا العراقيين والعرب الآخَرين أمام تحدٍ جديد. فبدلاً من أن تتفق الأطراف السياسية الرئيسية على كيفية مواجهة هذا الأمر مجتمعة، عاد الأكراد للمطالبة بالفيدرالية أو بشبه انفصال، وراحت القوى الشيعية تطالب بانتخاباتٍ مبكرة، والقوى السنية الظاهرة بتجنب الانتخابات الآن. لقد حملنا آمالاً – تبدو الآن وهمية – بأن تتسبب معارضة آية الله السيستانـي لحكومةٍ مؤقتةٍ غير منتخبة بمشكلاتٍ للأميركيين إلى جانب المقاومة السنية. بيد أنّ هؤلاء يبدون الآن قادرين على تسويةٍ مع السيستاني ومع غيره. وقد أظهر أعضاء مجلس الحكم الانتقالي المعينون ، خضوعاً شبه كاملٍ لبول بريمر، وما يزالون يصدرون القوانين التي لا يأبه لها أحدٌ، ولا تنمُّ عن أي وحدةٍ فيما بينهم، أو أي استقلاليةٍ عن العسكر المحتلّ. وإذا ظلَّ المشهد على ما هو عليه، فالأحرى أن يطالب كثيرون الأميركيين باستمرار الحكم المباشر، خوفاً من المزيد من الفوضى والانقسام والخراب والتخريب. وقد زعم محللون صحفيون في الأيام الاخيرة أنّ إدارة بوش تتصاعدُ لديها المشكلات، بدليل المصير إلى تشكيل لجنةٍ مستقلةٍ للتحقيق في مسألة أسلحة الدمار المزعومة. أما الواقع فهو أنّ هذه اللجنة ليس سببها الندم على الحرب والاحتلال؛ بل إثبات الصدقية أمام الرأي العام، وفي أميركا، كما في بريطانيا. فاحتلال أرضنا، والتهديد بإسقاط أنظمةٍ وأوطانٍ أخرى، لا يبدو مستنكراً لدى الرأي العامّ الآن؛ بل المستنكر ألا يكونَ المسؤولون صادقين مع مواطنيهم في الأسباب الحقيقية لاندفاعهم نحو الحرب.
ويواجه العرب الأمر بثلاثة أشكال. القسم الأكبر منهم غير معني. وهناك دولٌ مهتمة بتبرئة نفسها من التدخل أو معارضة الأميركيين. ثم هناك ثلاث دول أو أربع تشارك الأميركيين أو تعمل لهم من الباطن. والموقف العربي المعلَن من جانب الجامعة العربية: المطالبة بدورٍ أكبر للأمم المتحدة، أي أننا ما عدنا نختلف مع الأميركيين إلاّ حول تفصيلاتٍ لا يعارضها هؤلاء في الحقيقة.
وما يحدث في فلسطين هذه الأيام لا يقلُّ سوءًا عمّا ساد طَوالَ عام 2003. فبعد الإرهاب والخراب والاحتلال الشاروني، الذي ما اعترضت عليه الولايات المتحدة أو أنها شاركت فيه، يستعيد شارون زمام المبادرة: بإجراء الصفقة مع "حزب لله" حول الشهداء والأسـرى، وبالتفكير في عرض سوريا التفاوض بدون شروط، وبالإعلان عن الانسحاب من مستوطناتٍ في غزة، واقتراحٍ لتبادل في الأراضي مع الفلسطينيين. ونستطيع طبعاً القول إنه يفعلُ ذلك قبل زيارة الولايات المتحدة لذرّ الرماد في العيون. لكنّ الواقع أنّ كلَّ القوى على المسرح الدولي سترحّب بخطواته المسرحية هذه، كما سكـتت عن إجرامه عام 2003. ويبدو الفلسطينيون ضائعين وعاجزين، وقد تسقط حكومة قريع دون أن يهتمَّ لذلك أحد. وإذا تحدثوا عن المبادرة العربية الشاملة للسلام أو عن خريطة الطريق ؛ فسيجيبهم الأوروبيون قبل الأميركيين أنّ ما يفعلُهُ شارون إيجابي، وهو المُتاحُ والممكن. وها هم يعترضون على عرض قضية الجدار الفاصل على محكمة العدل الدولية.
على أنّ الأمر لا يقتصر على ما يحدث في العراق وفلسطين. فالتهديد الأميركي لعددٍ من الدول العربية مستمر. والأميركيون يصرّحون علناً أنّ العرب لا يفهمون غير لغة القوة والتهديد، طبعاً من أجل إحلال الديمقراطية محلَّ الاستبداد والديكتاتورية! وكما شجعهم التسليم لهم في العراق وفلسطين شجعتهم أيضاً الاستنامة الليبية بعد استعصاءٍ لفظي طَوالَ أكثر من عقدين. ويبدو