في بيروت الجميلة عقدت منظمة اليونسكو مؤتمرا عربيا حول التعليم للجميع، ما بعد إعداد الخطة الوطنية وذلك في أواخر شهر يناير المنصرم. جاء المؤتمر في وقته. فالتقارير الدولية تشير إلى وجود أكثر من سبعين مليون عربي في عداد الأميين وأن أكثر من سبعة ملايين طفل ممن هم في أعمار المدرسة خارج المدارس. كما تشير التوقعات الإنمائية للألفية إلى أن تعميم التعليم الابتدائي في الوطن العربي لن يتحقق إلا في عام 2050 وذلك إذا استمرت الجهود المبذولة كما هي عليه اليوم. لن نتحدث طبعا عن الفجوة الثقافية والتكنولوجية والمعرفية بيننا وبين الآخرين. هذه الأمور وغيرها دفعت العرب إلى لقاء بيروت والذي تجمع فيه ممثلون عن الدول العربية كان جلّ همهم في المؤتمر بيان أن دولهم لا تعاني من أي قصور يذكر، وأن الخطط مرسومة للارتقاء بالتعليم في أوطانهم. وحضر المؤتمر خبراء من المنظمات الدولية، أشارت معظم تقاريرهم إلى عجز واضح في خطط أغلب الدول العربية في مواجهة التحديات. وكانت هناك موائد مستديرة ذكرتني بركن الخطباء في لندن حيث ابتعد الجميع عن صفاتهم الرسمية التي يظهرون بها في ثنايا المؤتمر للحديث بحرية أكبر عن بعض القضايا كان منها المناهج التعليمية والادارة والبيئة المدرسية والمعلم. وقد قدمت ورقة متواضعة عن إعداد المعلم لخصت فيها نتائج زياراتي لكل من الولايات المتحدة بلد دراستي وكندا وأستراليا واليابان وفرنسا والمملكة المتحدة إضافة إلى تجربة جامعة الإمارات الجديدة في إعداد المعلم.
بدأت ورقتي بأسئلة ثلاثة طلبت من المشاركين الاجابة عليها، كان السؤال الأول عن شروط المهنة. أي ما هي أهم سمات المعلم؟ ثم الإعداد للمهنة، كيف نعد المعلم للقيام بدوره وأخيرا كيف نساعد المعلم في نقل ما تعلمه الى الميدان؟ ثم طلبت من الحاضرين الاجابة على الأسئلة لكن بطريقة مقلوبة فبدأنا بالدور المطلوب من المعلم العربي ولخصنا الاجابة في عامودين هما واقع المعلم والدور المنشود منه. في الواقع وافق الحضور على أن معظم المعلمين العرب يمثلون حلقة وصل بين الكراس والرأس أي بين المنهج الذي تعده الدول والمتعلمين لذلك فهم يعتمدون بدرجة كبيرة على مناهج معدة سلفا لا يجوز حذفها أو الزيادة عليها وإلا فسيف الامتحان يتهدد الطلبة لأنهم لم يحفظوا المطلوب، لذلك يستخدم المعلم أسلوب المحاضرة في التعليم وهو يعمل منفردا في المدرسة ويخاطب جمهور المتعلين ونادرا ما يتعامل مع التكنولوجيا. بعد ذلك سمحنا لأنفسنا بالحلم فتخيلنا المعلم العربي ينمي خبرات المتعلمين ومعارفهم لذلك فهو يطور مواد إضافية على مناهج الدولة ويستخدم طرق تدريس متعددة بما يتناسب مع أسلوب تفريد التعليم، فكل طالب يتعلم بأسلوب يختلف عن الآخرين لذلك يتبدل تبعا لما ذكرنا أسلوب التقويم، وتتعامل المدرسة كثيرا مع التكنولوجيا.
بعد أن تم التجاوب مع سؤال كيف نعد المعلم للدور الجديد، قررنا أنه لم يعد مقبولا الإعداد المتواضع للمعلم ثم نطلب منه القيام بالدور البطولي لذلك تمت زيادة سنوات الإعداد إلى خمس في العديد من الدول كي تشمل تربية وخبرة ميدانية مناسبة لا تقل عن فصل دراسي. وخلال سنوات الدراسة لا يبتعد المعلم عن المدرسة فهو لا يدرس مواد تنظيرية بل علوما تطبيقية يمارسها في بيئة التعليم عبر الدراسات التطبيقية والبحوث العملية. ومن الملاحظ على برامج الإعداد الحديثة أن المعلم ينخرط في برامج إعداد مستمرة لا تتوقف بعد تخرجة فهو بحاجة إلى إعادة بناء كل خمس سنوات على الأقل كي يواكب المستجدات في مهنة التعليم. كل ما سبق قادنا للتجاوب مع سؤال هل التعليم مهنة من لا صنعة له؟ بمعنى من يقبل في كليات التربية؟ هل هم المرفوضون من الكليات الاخرى ؟ هذا الأمر يدفع إلى أهمية وجود شروط قبول لكليات التربية تشمل اختبارات التفكير والمقابلات الشخصية وغير ذلك من طرق تضمن ألا يلتحق بمهنة التعليم إلا من هو كفؤ لإعداد المواطن العربي للمستقبل الذي ينتظره.
ماذا تتوقع عزيزي القارئ من المعلمين الذين حضروا هذه الحلقة؟ بدأ المعلمون ينتحبون من واقعهم المرير وشمل البكاء العربي المشرق والمغرب. كلهم يؤكدون حقيقة أن المعلم آخر من يفكر فيه صاحب القرار التربوي. علقت على كل التساؤلات، ثم ختمت اللقاء بأن المعلم مجاهد وقادر على التأثير والعمل تحت كل الظروف فالتحديات لا تزيده إلا إصرارا على إنجاز المهمة التي نذر نفسه لها، وبإمكانه أن يحول دمعة المعاناة الى شمعة تضيء بدل أن يسبّ الظلام.