في لحظة واحدة، توافد حوالى أربعين من طلاب الهندسة على محطة لصناعة الأقمار الاصطناعية في مدينة بنغالور التي أصبحت مركزا من مراكز النهضة التكنولوجية في البلاد. وقد أبدوا جميعهم ثقة، ورؤية واضحة لما يجب أن يصير إليه مستقبل بلادهم في هذا المجال. يلاحظ أيضا أنهم جميعا استهجنوا سؤالا بسيطا ومشروعا: لماذا تنفق دولة فقيرة مثل الهند، أموالا طائلة بهذا الحجم في برامج البحوث الفضائية؟ ويكتسب السؤال مشروعيته في حالة استكمال شقه الآخر: ففي إمكان الهند استخدام الأقمار الاصطناعية المتوفرة لدى كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ردا على هذا السؤال قال راج شيكار البالغ من العمر واحدا وعشرين عاما: نحن لا نعتمد على أحد. وهذا هو باختصار شعور كل الهنود تجاه جميع الأشياء.
فإثر مرور أربعين عاما من الانطلاقة الهندية على هذا الطريق، وبدايتها المتواضعة القائمة على صاروخ أميركي الصنع، فرد البرنامج الفضائي الهندي جناحيه، لكي يتيح فوائد تجارب وبحوث الفضاء، للمواطن العادي ورجل الشارع البسيط. ذلك أن هناك ثلاثة عشر قمرا اصطناعيا تدور في مداراتها الآن. يلاحظ أن هذه الأقمار، تعد من أفضل الأقمار الاصطناعية التي تقوم بمهام التصوير على المستوى العالمي. ليس ذلك فحسب، بل إن الهند تخطط على نحو جاد لإرسال قمر اصطناعي إلى سطح القمر بحلول عام 2007 أو 2008. بقي أن نقول إن النجاح الكبير الذي حققته الهند حتى الآن في هذا المجال، قد تم بناء على ميزانية صغيرة متواضعة لا تتعدى 450 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ ضئيل مقارنة مع الميزانية السنوية لوكالة "ناسا" للبحوث الفضائية البالغة 15.5 مليار دولار سنويا. والفارق هنا في الهند هو أن ضعف ميزانيات البرامج الخاصة ببحوث الفضاء في دول العالم النامية- بما فيها البرازيل- لا يعني بالضرورة وقوع كوارث مستمرة في مرحلة الإطلاق.
وفي غضون هذا الشهر، نشرت مجلة " الأسبوع" الهندية الإخبارية مقالا ألهب حماس وغيرة المواطن الهندي على برامج بلاده الفضائية. ومن خلال ذلك المقال، رأى الهنود ما يطمئنهم إلى أن بلادهم تبرز حقا كقوة فضائية مبشرة. يستهل المقال بهذه العبارة: إن كل قوة فضائية تسعى لتطوير السفن والمركبات الفضائية التي تمكنها من استعمار القمر لاحقا. فما الذي يقعد بالهند أو يثنيها عن السير قدما في الطريق نفسه؟ ولم يمر أسبوع واحد على تمكن الصين من احتلال مرتبة ثالث دولة تضع إنسانا على الفضاء في شهر أكتوبر الماضي، حتى أطلقت الهند أول قمر اصطناعي لها في مداره. لحظتها كان رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي قد أعلن الهند باعتبارها دولة عالمية رائدة في مجال استخدام التكنولوجيا الفضائية في عملية التنمية. فهناك في مدينة بنغالور حيث مقر الإدارة العامة للمشروعات الفضائية الهندية، تدب روح مأخوذة بالحماس، وترى المهندسين والفنيين القائمين على هذه المشروعات، وقد امتلأوا نشاطا وحيوية، مما يعيد إلى الأذهان صورة مقر وكالة "ناسا" للبحوث الفضائية في أيامها الذهبية في عقد الستينيات. ومما يلفت النظر، حديث المهندسين الهنود المتحمسين عن كيفية استخدامهم للتكنولوجيا الفضائية في إنقاذ حياة عشرات الملايين من مواطني بلادهم.
ذلك هو ما أكده المهندس مادفان ناير رئيس البرامج الفضائية الهندية. ويطلق مادفان على إدارة هذه البرامج تسمية رسمية هي" إدارة المياه والفضائيات التلفزيونية والاتصالات الهاتفية والطب من بعد". فالتسمية نفسها تكشف عن توجهات هذه البرامج وعلاقتها بالتنمية في مختلف المجالات. ولكي ندعم القول بالفعل، فلنتخذ من قرية ماجهجوان كاران الواقعة في أقصى ولاية أتار براديش مثالا للكيفية التي تفيد بها مثل هذه البرامج المواطن العادي. فبفضل الأقمار الاصطناعية اللاقطة للصور، تمكن المهندسون الفضائيون من مساعدة ما يربو على 175 هنديا على استصلاح أراض جرداء قاحلة، تبلغ مساحتها أربعين اكرا. وقد عرفت هذه المنطقة بالذات بارتباط اسمها بالمجاعات والكوارث الإنسانية.
في تصريح له قال ألوك ماثر مدير أحد المشروعات التابعة لإدارة الاستشعار عن بعد في أتار براديش، إنه يسهل استصلاح الأراضي الجرداء القاحلة بواسطة صب الجبس فوقها. ويفسر ذلك بأن الجبس يطلق تفاعلا كيماويا في التربة التي عادة ما تكون مشبعة بكميات كبيرة من الصوديوم. ونتيجة لذلك التفاعل الكيماوي الذي يحدث بين مكونات الجبس والصوديوم، تتحول الأرض إلى أرض غنية بالأسمدة وذات خصوبة. وعليه، سرعان ما يطرأ تحول حقيقي وجذري في حياة ومستوى معيشة المزارعين الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسي.
وفي موقع آخر يبعد حوالى أربعين ميلا باتجاه الشرق من هذه القرية الزراعية، نرى وجها آخر من وجوه فوائد التكنولوجيا الفضائية، وكيف تسهم في تحسين مستوى حياة المواطنين وتوفير ما يحتاجونه من خدمات ضرورية وأساسية. فالأطباء في مستشفى مدينة لوكناو الرئيسي يتحدثون فيما بينهم عن الفوائد والتسهيلات المهنية التي وفرتها لهم تكنولوجيا الأقمار الاص