يحاول بوش قدر طاقته صرف الأنظار عن بؤرة الاهتمام التي يتركز حولها الجدل الدائر حاليا حول العراق، من خلال القول إن رحيل صدام كان في صالح العراق، وإن الشعب العراقي قد أصبح الآن "حرا".
أعلن "ديفيد كاي" رئيس فريق المفتشين الأميركيين عن الأسلحة في العراق مؤخرا، أن المرجح هو أن صدام حسين لم تكن لديه أسلحة دمار شامل على الإطلاق. وقد أحدث تصريح " كاي" حالة من الفوران في الجدل الدائر في أميركا حاليا بشأن العراق، وخصوصا أن إدارة بوش كانت قد قامت بإرسال "كاي" بالذات إلى العراق، لأنه كان من المتشددين في الدعوة إلى شن الحرب، ولأن بوش قد فضل إرساله بدلا من فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة، التي لم يكن يثق بها. وكان ظن بوش عندما قام بذلك، أن "كاي" وفريقه سيعثرون حتما على أسلحة دمار شامل عراقية، كان الزعم بوجودها هو السبب الرئيسي الذي استندت إليه الإدارة في القيام بشن الحرب على نظام صدام. لذا كان أمرا طبيعيا أن يشعر" بوش" بالانزعاج والضيق بسبب تقرير " كاي". ولابد أن الرئيس " بوش" كان يشعر بالضيق بسبب تقرير آخر، أذيع في الوقت نفسه تقريبا، من قبل اللجنة الوطنية المكلفة بالتحقيق في الهجمات الإرهابية التي وقعت على الولايات المتحدة. ويذكر أن الكونجرس كان قد قام بتشكيل هذه اللجنة عام 2002، للتحقيق في الأسباب التي أدت إلى إخفاق أجهزة الاستخبارات الأميركية في الحيلولة دون وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد اشترط الكونجرس أن يتم تكوين هذه اللجنة مناصفة من قبل الجمهوريين والديمقراطيين، على أمل أن يخرج تقريرها في النهاية موضوعيا ومنصفا، غير متأثر بالمحاولات الديمقراطية العديدة لتوجيه اللوم إلى الرئيس، ولا بالمحاولات الجمهورية العديدة لحمايته من ذلك اللوم. وعلى رغم ذلك، تحولت تلك اللجنة كي تصبح جزءا من عملية التنافس القائم بين الحزبين حاليا حول الانتخابات.
ففي السابع والعشرين من يناير الماضي، قام أعضاء اللجنة بإعلان بعض نتائج التحقيقات التي قاموا بأجرائها، والتي تمحورت حول كون إدارة بوش قد غفلت عن العديد من التحذيرات، التي كانت تؤشر لوقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، البيانات المزيفة التي قام المهاجمون بتقديمها للحصول على التأشيرات التي مكنتهم من دخول الولايات المتحدة. وقالت اللجنة في تقريرها أيضا إن تسعة من بين التسعة عشر خاطفا الذين نفذوا تلك العمليات، كانوا موجودين بالفعل على قوائم الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة، الخاصة بنظام الرصد والفرز الإلكتروني التابع لإدارة الطيران المدني الأميركية، ومع ذلك سمح لهم بركوب الطائرات صبيحة الحادي عشر من سبتمبر. وهذه النتائج تتناقض مع ادعاءات إدارة بوش بأن الخاطفين كانوا من المسافرين الملتزمين بالقانون، والذين دخلوا الأراضي الأميركية بشكل قانوني. والآن يواجه الرئيس بوش مأزقا سياسيا. فهو يكره الاعتراف بارتكاب أية أخطاء، على رغم أنه يعرف أن الشعب الأميركي غالبا ما يقوم بالصفح عن الرؤساء الذين يعترفون بذنوبهم، ويكره الرؤساء الذين لا يقرون بالضعف الإنساني، ويصرون على أنهم لم يقوموا بارتكاب أية أخطاء، حتى بعد أن تصبح مثل تلك الأخطاء واضحة للعيان ، وأنه يكره أيضا الرؤساء الذين ينكرون وقوع أخطاء في البداية، ثم يقومون فيما بعد، وعقب تعرضهم لضغط كبير، بالاعتراف بتلك الأخطاء وتقديم اعتذار عنها.
فعلى سبيل المثال قام الشعب الأميركي بالصفح عن الرئيس "جون كينيدي" عندما اعترف بأن عملية خليج الخنازير التي كانت موجهة لغزو كوبا كانت خطأ، ولكنه قام بإجبار ريتشارد نيكسون على الاستقالة عندما كذب عليه بشأن ما عرف بفضيحة "ووترجيت". ويذكر في هذا السياق أن " ديفيد بوردر" الصحفي في "الواشنطن بوست" والذي يعتبر أكثر كتاب الافتتاحيات في الصحافة الأميركية احتراما، قد وجه انتقادات قوية للرئيس بوش شخصيا، بسبب رفضه التعامل مباشرة وبشكل أمين مع الأسئلة المثارة حاليا بشأن قراره الخاص بإعلان الحرب على العراق، و إصراره على عدم الاعتراف بأنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل في هذا البلد.
في الآونة الأخيرة، قام الرئيس بوش بالدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق ربما لأنه يستشعر أن المزاج الشعبي الأميركي قد أصبح منتقدا لسياساته. بيد أنه يصر في ذات الوقت على أن العراق كان لديه "برنامج" لإنتاج الأسلحة، وهي صياغة جديدة لما كان قد قيل سابقا، من أن العراق كانت لديه بالفعل "أسلحة دمار شامل" ولكنها لا تبرر بأي حال من الأحوال القيام بشن حرب على دولة أخرى. ولم يكتف الرئيس بوش بذلك وإنما يقول أيضا إن التفتيش على الأسلحة لم ينته بعد. وهو على ما يبدو يحاول قدر طاقته صرف الأنظار عن بؤرة الاهتمام التي يتركز حولها الجدل الدائر حاليا حول العراق، من خلال القول إن رحيل صدام حسين كان في صالح العراق، وإن الشعب العراقي قد أصبح الآن " حرا".
بيد أن المشكلة هي أنه لا أحد في أميركا على استعداد لقبول هذا التغيير في صياغة السبب المنطقي الذي أدى