الحياة حركة والموت هو الثابت ولا يأتي إلا في آخر المطاف وهو ما ليس للإنسان فيه حيلة ولا حول ولا قوة، لأن الكل يقف أمامه بلا حراك أو تعليق أو تحليل·
وفق هذا المفهوم، فما هو الثابت والمتغير في حركتنا الدائبة مع الحياة التي لا تقف عند نقطة محددة ولا خط معين؟ فالمبادئ والمعتقدات والأفكار والعادات والتقاليد ووجهات نظر، وكذلك القوانين والتشريعات المعتمدة في روحها وليس في إطارها الذي لا يقبل الثبات في ظله الجامد، قابلة للتغيير·
فإضفاء القدسية الإلهية على تلك الحركة الدائبة وتهديد المتحررين من القيود الفكرية والعقلية بالويل والثبور وسوء عاقبة الأمور، عند إدارة السجال والحوار والجدال حول القضايا الجزئية من الأمور المستهجنة في العالم العربي والإسلامي·
فلو قلنا جدلا إن المبادئ بشكلها الحالي جاءت لكي تحافظ على صفتها من الثبات والمصالح المترتبة عليها قابلة للتغيرات وفقا لمستجدات الظروف التي قد نرضخ لها ونختلق لها المبررات لكسر الأطواق التي صنعناها بأيدينا وإنه قد حان الوقت لممارسة دور الكاسر أو المحطم لها، نجد من يرشقنا بالاتهامات من كل حدب وصوب·
يدور هذا الصراع الفكري الذي قد يصل أحيانا إلى درجة الإرهاب الفكري والتصفية الجسدية في حالات هستيرية، عندما يعجز الفكر أو العقل عن علاج أدواء وعلل القلوب التي تصاب بالجلطات الواحدة تلو الأخرى·
ونتيجة التخبط في قراءة الأحداث السياسية في العالم يأتي الميزان المقلوب لقياس التغيرات التي ظهرت في السنوات الأخيرة من الحياة المعاصرة التي يجب أن نتعامل معها كأحد المتغيرات التي تجمدت أفكارنا عن فهمها لأن في ظاهرها التغير الخاطئ وأما في باطنها فبعض الاستراتيجيات البعيدة عن رؤية المصابين بقصر النظر·
ويمكن إلقاء الضوء لمعرفة هذه المعادلة المحيرة لدى البعض وبكل وضوح فيما يجري في الأراضي المحتلة· فإذا كان القتال ضد اليهود هو الثابت فلم نقبل مبدأ التفاوض وهو يعتبر عند البعض تخاذلا وخيانة عظمى وبيعا للأوطان والمقدسات؟
ومثال آخر يبدو أكثر وضوحا في السودان وهو يقاوم قرنق أكثر من عقدين تحت مسمى الجهاد المقدس و يقوم اليوم وزير خارجيته بمصافحة العدو اللدود لتصبح الدماء المسكوبة أرخص من المياه التي لا تصلح للشرب· فيتحول ذلك الجهاد الثابت إلى متغير بمسمى الحرب الأهلية أسوة بما جرى في الحروب الأوروبية والأميركية عند تحريرها من قبضة الاستعمار·
وفي المغرب العربي كذلك هناك أسرى تائهون في الصحراء، فما الذي دفعهم للوقوع في يد الأشقاء وكأنهم خاضوا حروبا مع العدو الأول للأمة بل للعالم أجمع؟
ومهما رفع بعض الثوريين شعار الصمود والتصدي عبر الكثير من القنوات السياسية والإعلامية المتاحة سواء من قبل الأحزاب المعارضة أو بعض الجماعات المتطرفة إلى أقصى اليسار، فإنه بمجرد الوصول إلى كرسي الحكم تتحول كل الثوابت لديه إلى متغيرات تضرب يمنة بيسرة وكفا بكف كل ما كانت تؤمن به من مبادئ ظلت طنانة ورنانة في آذان الكثيرين الذين اغتروا بشعاع البرق في لمعته التي لم تصمد أمام أعين المؤمنين به للحظات·
نخرج من هذه الأمثلة القليلة والكبيرة في معانيها السياسية التي تدار بها الأحداث على الساحة العالمية المرئية وغير المرئية عبر الكواليس، على أن الثابت الوحيد في الكون هو المتغير الذي يجب أن نجيد حسن التصرف حياله كلا حسب مصلحته·