في هذا المقال نضع حالة التناقض الحادة في مواقف بني مورس أشهر المؤرخين الإسرائيليين الجدد تحت المجهر· فالرجل من ناحية يعكف على وثائق الجيش ليستخرج منها تفاصيل الجرائم التي ارتكبها جنود وضباط الهاجاناه خلال حرب 1948· ويضع اكتشافاته بين دفتي كتاب في اللغة الإنجليزية ليصدر الشهر القادم عن دار نشر كمبردچ في بريطانيا· وهو بهذا على حد قول صحيفة (هاآرتس) يساهم في فضح إسرائيل ويصورها في صورة الشخص المصاب بالجذام والذي يفر منه الجميع· ولكنه من ناحية أخرى يعلن في حديثه المثير الذي أدلى به للصحيفة المذكورة في التاسع من يناير أنه يتفهم سياسة الطرد والترحيل الجماعي للعرب والتي أثبت في كتابه أنها لم تكن مجرد ممارسة عشوائية من جانب الجنود والضباط، بل كانت سياسة ممنهجة صادرة عن زعيم الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء لدولة إسرائيل وهو بن غوريون·
ولنطالع نص الحوار بين المؤرخ والصحيفة لنكتشف عمق التناقض ا لمذكور.
تسأل الصحيفة بني مورس.. هل كان بن غوريون من دعاة الترحيل - الترانسفير؟ ويجيب.. طبعاً بالتأكيد. كان بن غوريون داعياً للترانسفير· لقد فهم أنه لن تقوم دولة يهودية إذا بقيت في داخلها أقلية عربية كبيرة ومعادية· ليست هناك دولة على هذا النحو ولا يمكنها أن تواصل البقاء·
وتسأله الصحيفة: أنا لا ألاحظ أنك تدين سياسة الترحيل والطرد الجماعي؟ ويجيب بني مورس: لقد كان بين غوريون محقاً ولو أنه امتنع عن فعل ما قام بفعله لما قامت الدولة· يجب أن تكون هذه المسألة واضحة ولا ينبغي أن نتهرب منها· فبدون اقتلاع الفلسطينيين من الأرض ما كانت لتقوم هنا دولة يهودية·
وتسأل (هاآرتس): بني مورس كنت على مدى عشرين عاماً تبحث في الجانب المظلم من الصهيونية وتخصصت في كشف فظائع حرب 1948 فهل لديك تبرير لكل هذه الفظائع؟ هل تؤيد الترحيل والطرد الذي حدث عام 1948؟ ويجيب بني مورس: ليس هناك تبرير لعمليات الاغتصاب التي وقعت ضد النساء العربيات، ولا يوجد تبرير للمجازر· إنها جرائم حرب· ولكن في ظروف معينة فإن الطرد لا يمثل جريمة حرب· وأنا لا أعتقد أن عمليات الطرد الجماعي للعرب عام 1948 كانت جرائم حرب· فليس في مقدورك أن تصنع عجة دون أن تكسر البيض· يجب عليك أن تلطخ يدك·
وتسأل (هاآرتس) في دهشة المؤرخ الذي يكتشف الجرائم وينشرها ثم يبررها: غير أن الأمر يتعلق بقتل الآلاف من الناس وتدمير مجتمع كامل؟
ويجيب بني مورس في تبجح: عندما ينتفض مجتمع بهدف أن يقتلك فإنه يجبرك على تدميره· وعندما يكون الخيار أمامك إما إن تدمر عدوك أو يدمرك هو فإن الخيار المفضل هو أن تدمره أنت·
وتسأل الصحيفة: هناك شيء يثير الصدمة في الهدوء الذي تصدر به هذا الحكم؟ ويجيب بني مورس: إذا كنت تتوقع مني أن انفجر في البكاء، يؤسفني أن أخيب أملك· لن يحدث هذا·
وتسأل الصحيفة·· إذن عندما يقف قادة عملية داني وينظرون إلى الجموع الممتدة في طوابير مزدحمة من العرب المطرودين من مدينة اللد والذين بلغ عددهم خمسين ألفاً راحلين إلى الشرق، فهل تشعر أنك تقف مع هؤلاء القادة الإسرائيليين وتبرر أعمالهم؟
ويجيب بني مورس: إنني بالتأكيد أتفهم موقف هؤلاء القادة الإسرائيليين وأتفهم دوافعهم· ولا أعتقد أنهم شعروا بتأنيب الضمير ولو كنت مكانهم لما أحسست بوخز الضمير· فبدون هذا العمل ما كانوا لينتصروا في الحرب وما كانت دولتنا قد قامت.
وتسأل (هاآرتس): أنت إذن لا تدينهم أخلاقياً على الأقل؟
ويجيب المؤرخ مكتشف الجرائم في برود: كلا.
وتعود الصحيفة لتتأكد من أحكام المؤرخ الذي اشتهر بفضح الجرائم الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم وأرسى لنفسه صورة المتعاطف مع المأساة الفلسطينية فتسأله: ولكنهم قاموا بعملية تطهير عرقي؟ ويجيب بني مورس: هناك ظروف تاريخية تبرر التطهير العرقي· وأنا أدرك أن مفهومي هذا شديد السلبية في أي حوار يدور في القرن الحادي والعشرين، ولكن عندما يكون الخيار بين إبادة شعبك وإبادة شعب آخر فإنني أفضل التطهير العرقي·
وتسأل (هاآرتس): وهل الوضع في عام 1948 كان على هذا النحو الذي تصوره؟ ويجيب بني مورس: (نعم كان الوضع على هذا النحو· وهذا ما واجهته الصهيونية· ما كانت الدولة اليهودية لتقوم بدون اقتلاع وطرد السبعمائة ألف فلسطيني· كانت الضرورة تملي اقتلاعهم· ولم يكن هناك مفر من طرد هؤلاء الناس· كانت هناك ضرورة لتنظيف الجبهة الداخلية وتنظيف مناطق الحدود والمحاور الرئيسية· كانت هناك ضرورة لتنظيف القرى التي كانت النيران تطلق منها على قوافلنا ومستوطناتنا)·
وتسأل (هاآرتس) مؤرخ المجازر الصهيونية: ولكن مصطلح التنظيف فظيع فهؤلاء بشر؟ ويجيب بني مورس: أعرف أن المصطلح لا يبدو لطيفاً ولكنه المصطلح نفسه الذي استخدمه القادة الإسرائيليون في ذلك الوقت، ولقد اكتشفته في كل الوثائق المتصلة بحرب 1948 والتي ما زلت عاكفاً عليها·
وتعلق الصحيفة: كلماتك صعبة على الأذن وعسيرة الهضم، تبدو وكأنك لا قلب لك؟
ويجيب بني مورس إجابة تصنفه في خانة أحط أفكار العنصرية فهو يبدي تعاطفاً زا